في وقت يئن فيه المواطن المصري تحت وطأة أزمات معيشية طاحنة وتضخم يلتهم ما تبقى من مدخراته، تواصل حكومة الانقلاب سياساتها الرامية إلى تحويل العاصمة إلى "كانتونات" معزولة مخصصة للأثرياء وحاملي العملة الصعبة فقط.
وتكشف أحدث البيانات الصادرة عن قطاع السياحة والفنادق عن أرقام فلكية لأسعار الإقامة في فنادق القاهرة، حيث وصل سعر الليلة الواحدة في بعض الأجنحة الفندقية إلى ما يقارب 600 ألف جنيه مصري، في مشهد يعكس بوضوح الفجوة الطبقية الرهيبة التي كرسها النظام الحالي، والذي بات يدير الدولة بعقلية "التاجر" الذي لا يعنيه سوى تحصيل الدولار، ولو كان ذلك على حساب تحويل البلاد إلى منتجع سياحي مغلق أمام شعبه.
جنون الأسعار: الليلة الواحدة تساوي شقاء عمر كامل
كشف مسح حديث لأسعار الفنادق خلال موسم إجازات نهاية عام 2025، عن أرقام صادمة لا تمت للواقع الاقتصادي للمصريين بصلة. فقد سجل سعر الإقامة لليلة واحدة في جناح بفندق "نايل ريتز كارلتون" المطل على النيل نحو 575 ألف جنيه (ما يعادل 12 ألف دولار). هذا الرقم الفلكي لليلة واحدة يتجاوز دخل المواطن المصري البسيط لسنوات طويلة، مما يؤكد أن العاصمة لم تعد للمصريين، بل أصبحت سلعة تُباع لمن يدفع بالدولار.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تراوحت أسعار الأجنحة في باقي فنادق الخمس نجوم بين 5 و7 آلاف دولار في الليلة. وتُظهر هذه الأرقام، التي ارتفعت بنسب تتراوح بين 30% و50% مقارنة بالعام الماضي، استغلالاً فجاً لموسم الأعياد وافتتاح المتحف المصري الكبير، حيث يركز النظام جل اهتمامه على "سياحة الأثرياء" ورجال الأعمال، متجاهلاً تماماً السياحة الداخلية أو توفير خدمات ترفيهية بأسعار معقولة لعامة الشعب الذي بات غريباً في وطنه.
"مصر للأغنياء فقط".. خريطة الفنادق تكشف الانحياز الطبقي
تتصدر فنادق الجيزة والقاهرة المشهد بأسعار خيالية، حيث بلغ سعر الفرد في الليلة الواحدة بفندق "شتيجنبرجر براميدز" 89.3 ألف جنيه، يليه "سانت ريجيس" و"هيلتون كايرو غراند نايل" بأسعار تجاوزت الـ 60 ألف جنيه لليلة. حتى الفنادق التاريخية مثل "ماريوت مينا هاوس" سجلت 38 ألف جنيه لليلة.
هذه الأرقام تأتي في ظل احتفاء حكومي بما يُسمى "التدفقات السياحية" التي تجاوزت نسبة الإشغال فيها 90%، مع توقعات بملامسة 100% بنهاية ديسمبر. لكن هذا "النجاح" المزعوم لا ينعكس بأي شكل على المواطن العادي، بل يصب حصراً في جيوب المستثمرين الأجانب وشركات الإدارة العالمية وخزينة النظام التي تلهث خلف العملة الصعبة لسداد فوائد الديون المتراكمة، بينما يتم عزل هذه المناطق الفاخرة عن المحيط الشعبي المتهالك الذي يعاني من نقص الخدمات.
"بوتيك هوتيل" والبحث عن الفتات الدولاري
لم تقتصر حمى الأسعار على الفنادق الكبرى، بل امتدت لتشمل ما يُعرف بـ "بوتيك هوتيل" أو الفنادق الصغيرة، حيث أكد أصحاب هذه المنشآت أن الإشغالات هي الأعلى منذ 5 سنوات، بأسعار تتراوح بين 60 و90 دولاراً لليلة، وهي أرقام وإن بدت "منخفضة" مقارنة بالفنادق الكبرى، إلا أنها تظل بعيدة عن متناول الشريحة الأوسع من المصريين.
وفي سياق متصل، تطالب هذه الفنادق بتسهيل التراخيص، وهو ما تستجيب له الحكومة عادة طالما أن العائد بالدولار، مما يعزز فكرة أن الدولة بجميع أجهزتها مسخرة لخدمة "الزبون الأجنبي". وبحسب وثيقة حكومية، تمتلك القاهرة 19 فندقاً من فئة 5 نجوم والجيزة 10 فنادق، وتطمح الشركات العالمية للتوسع وبناء طاقات جديدة، مما ينذر بمزيد من الاستحواذ على أراضي العاصمة ومواقعها المميزة لصالح نخبة عالمية، في حين يُترك المواطن ليواجه مصيره في مواجهة غلاء فاحش وخدمات متدهورة خارج أسوار هذه الفنادق الفارهة.
إن هذا المشهد يعيد رسم خريطة مصر الطبقية بشكل حاد، حيث تُفتح الأبواب والخدمات الفاخرة لمن يملك "العملة الصعبة"، وتُغلق في وجه المواطن الذي يدفع ثمن فشل السياسات الاقتصادية من قوته اليومي.

