"أنا قعدت شهر أنفض القمل تنفيض من هدومي وفرشتي".. بهذه العبارة التي تحمل الكثير من المعاناة، نقلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن أحد المعتقلين بعد خروجه من عنبر الإيراد بسجن الوادي الجديد، أو ما يعرف "بسجن الموت"، الواقع في قلب الصحراء الغربية.

 

ويقع السجن المنسي أو المنفى في منطقة صحراوية بمدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، على بُعد بضع مئات من الكيلومترات من أقرب محافظات مصر اليه عبر طريق غير ممهد ترتفع فيه حالات الوفيات وحوادث الطرق. 

 

هذا السجن سيئ السمعة، افتُتح في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليكون منفى للمعارضين السياسيين تسحق فيه انسانيتهم وتداس فيها الكرامة. وفي تسعينيات القرن الماضي جرى تحديثه بطريقة صارمة من مبانٍ خرسانية مُسلّحة على شكل حرف (H)، كما هو الحال في سجن العقرب شديد الحراسة بمجمع سجون طرة.

 

والحياة فيه أشبه بمراحل الموت البطيء؛ فحرارة الشمس صيفًا تحيله إلى ما يشبه "الفرن الساخن"، وفي الشتاء يتحول إلى ما يشبه الثلاجة.

 

المنفى


على مدار سنوات طويلة، استُخدم سجن الوادي الجديد عقابًا صارمًا للمعارضين السياسيين من أبناء المحافظات البعيدة. وفي السنوات الماضية خُصص منفى للمنتمين إلى التيار الإسلامي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

 

وهدد اللواء حسن السوهاجي مدير مصلحة السجون الأسبق، حين هدّد قيادات الإخوان المحبوسين في سجن العقرب شديد الحراسة بالنفي إلى الوادي الجديد كعقاب صارم لهم.

 

كما قامت السلطات المصرية خلال السنوات الأخيرة بتغريب أو نفي عدد كبير من المعتقلين من سجون جمصة وبرج العرب ووادي النطرون، ومؤخرًا جرى ترحيل العشرات من المعتقلين من سجن المنيا  وسجون اخرى إلى المنفى في سجن الوادي الجديد.

 

تبدأ المعاناة بوصول سيارات الترحيلات المتهالكة التي تحمل المعتقلين (الوافدين الجدد) من محافظات مصر المختلفة، من الإسكندرية شمالًا إلى أسوان جنوبًا، في رحلة شاقة عبر طرق غير ممهدة تزيد من معاناتهم.

 

كابوس الإيراد


عنبر الإيراد، أو ما يعرف بـ“مصنع إنتاج الأوبئة والأمراض” ومخزن حشرات القمل والبق، هو بداية سلسلة تسلط الشبكة المصرية الضوء عليها لكشف ما يحدث داخل السجن من انتهاكات.

 

وحسب معتقل — تتحفظ الشبكة المصرية على بياناته وتاريخ اعتقاله — تحدث عن معاناته خلال الفترة التي قضاها في عنبر الإيراد، وهي مدة كانت كفيلة برؤية ألوان من العذاب. حيث قال نصًا: "أنا قعدت شهر أنفض القمل من هدومي وفرشتي".

 

الإيراد هو المكان الذي يقضي فيه المعتقل أيامه الأولى قبل تسكينه في إحدى الزنازين، وقد تمتد هذه الفترة إلى شهرٍ أو أكثر أو أقل كنوع من الحجر أو العزل الصحي. 

 

ويفترض أن تقتصر هذه الفترة على أسبوعين فقط. وتُعد الأيام الأولى في إيراد الوادي الجديد من أسوأ الفترات على الوافد الجديد، إذ لا شيء غير الانتهاكات الجسدية والنفسية. تبدأ بالتشريفة التي يجري خلالها التعدي على المعتقلين الجدد بالضرب والسحل، مرورًا بتجريدهم من ملابسهم.

 

وبحسب الحالة المزاجية لضباط السجن عند وصول سيارة الترحيلات، قد يتم تجريدهم من كل الملابس كما ولدتهم أمهاتهم والتنكيل بهم، أو الإبقاء عليهم بملابسهم الداخلية، مع إجبارهم على قضاء حاجتهم في العراء أو بحمامات شديدة القذارة، مما يزيد معاناتهم.

 

حرمان من أدنى الحقوق


يُمنع المعتقل من التريض ومن الزيارة طوال بقائه في الإيراد، ويتم تجريده من الملابس والأغطية بعد مصادرتها أو حرقها. كما تُمنع عنه وسائل النظافة الشخصية والعامة، مما يجعل عنبر الإيراد مرتعًا للأوبئة والأمراض الجلدية بأنواعها، في ظل رعاية صحية تكاد تكون منعدمة، وقد تستمر آثار تلك الأمراض لشهور بعد خروجه من الإيراد.

 

فقدان التواصل


خلال فترة التواجد في عنبر الإيراد تنقطع سبل التواصل تمامًا مع العالم الخارجي والأسرة، لتستمر المعاناة حتى الزيارة الأولى أو التسكين داخل الزنازين.

 

غياب الرقابة


انتهاكات عديدة ومؤلمة يتعرض لها الوافدون الجدد، ولا سيما المعتقلون السياسيون الذين يتم الزج بهم كعقاب مُوجع، مع بداية مرحلة قاسية يعيشها المعتقل بكل تفاصيلها في ظل غياب تام للرقابة من مصلحة السجون أو النيابة العامة.

 

الشبكة المصرية قالت إنها ستواصل خلال الفترة المقبلة نشر الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون في السجون المصرية، وخاصة سجن الوادي الجديد العمومي المعروف بـ“عقرب الصعيد”، أملًا في إنهاء هذه الممارسات ووقف جميع أشكال التنكيل بالمعتقلين في سجون مصر فى اقرب وقت ممكن.