في خطوة تعيد الزخم الدولي للقضية الفلسطينية من بوابتها الإنسانية والسياسية الأعمق، تصدّر اسم القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي المشهد العالمي مجددًا. أكثر من 200 شخصية ثقافية وفنية من العيار الثقيل، بينهم حائزون على جوائز نوبل وأوسكار، وقعوا على عريضة تاريخية تطالب بالإفراج الفوري عنه، معتبرين إياه "نيلسون مانديلا الفلسطيني" القادر على توحيد صفوف شعبه وقيادة مسار السلام المتعثر. هذه الرسالة ليست مجرد مطالبة قانونية، بل هي إعلان سياسي بأن العالم لم يعد يقبل باستمرار تغييب الرموز القادرة على صنع التغيير، وأن مفتاح الحل قد يكون خلف قضبان سجن "هداريم".

 

نخبة العالم تنتصر للأسير: من الأدب إلى السينما

 

قائمة الموقعين على الرسالة تعكس تنوعًا وثقلاً لا يمكن تجاهله. أسماء بحجم الكاتبة الكندية مارغريت أتوود، والروائية الفرنسية آني إرنو (الحائزة على نوبل)، والممثلين العالميين مارك روفالو وتيلدا سوينتون، اصطفت لتوجيه رسالة واضحة لإسرائيل والعالم. هؤلاء المثقفون لم يكتفوا بالتضامن الرمزي، بل قارنوا صراحة بين نضال البرغوثي ونضال الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، مؤكدين أن التاريخ يعيد نفسه، وأن القادة الذين يوصمون بـ"الإرهاب" اليوم قد يكونون صناع السلام غدًا إذا أُتيحت لهم الفرصة.

 

الرسالة تضمنت أيضًا شخصيات يهودية بارزة مثل الممثل البريطاني ستيفن فراي، مما يضفي عليها بعدًا أخلاقيًا يتجاوز الانقسامات العرقية والدينية، ويحرج السردية الإسرائيلية التي تحاول تصوير كل تضامن مع الفلسطينيين كـ"معاداة للسامية".

 

البرغوثي: الرمز الموحد في زمن الانقسام

 

التركيز على مروان البرغوثي (المعتقل منذ 2002 والمحكوم بـ5 مؤبدات) لم يأتِ من فراغ. استطلاعات الرأي الفلسطينية تضعه دائمًا في الصدارة كالشخصية الأكثر شعبية وقبولاً لقيادة السلطة الفلسطينية. يُنظر إليه كمهندس للوحدة الوطنية، ورجل يمتلك الشرعية الثورية والسياسية معًا، مما يجعله القادر الوحيد على ردم الهوة بين "فتح" و"حماس" وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني. الموقعون على الرسالة يرون فيه "الأمل الأخير" لإنقاذ حل الدولتين الذي بات في حكم الميت سريريًا.

 

الهستيريا الإسرائيلية: فزاعة "معاداة السامية"

 

وكعادة الاحتلال في مواجهة أي حراك دولي، قوبلت الحملة بغضب إسرائيلي واسع. الإعلام العبري والمسؤولون الإسرائيليون سارعوا لشن هجوم مضاد، واصفين المطالبة بالإفراج عن البرغوثي بأنها "دعم للإرهاب" و"تهديد لوجود إسرائيل". هذه الردود المتشنجة تعكس الخوف الحقيقي لدى تل أبيب من خروج البرغوثي؛ فإسرائيل تدرك جيدًا أن حريته قد تقلب الطاولة السياسية، وتوحد الفلسطينيين خلف قيادة قوية، وهو ما يتناقض مع استراتيجيتها القائمة على تعميق الانقسام وإضعاف السلطة.

 

مفتاح السلام في زنزانة

 

رسالة الـ200 مثقف ليست مجرد عريضة، بل هي جرس إنذار للعالم بأن استمرار اعتقال مروان البرغوثي هو اعتقال لمستقبل السلام في المنطقة. إنها دعوة للمجتمع الدولي للتوقف عن التعامل مع القضية الفلسطينية كملف أمني فقط، والبدء في التعامل مع رموزها السياسية بجدية. إذا كان العالم يبحث حقًا عن "اليوم التالي" للحرب، وعن شريك فلسطيني قوي، فإن العنوان معروف: الزنزانة رقم (..) في سجون الاحتلال، حيث يقبع الرجل الذي يملك مفاتيح الحل، وتخشى إسرائيل حريته أكثر من صواريخ خصومها.