لم تعد الضفة الغربية تعيش مجرد "اقتحامات ليلية" روتينية، بل تحولت خلال الساعات الـ48 الماضية إلى ساحة حرب حقيقية مفتوحة. ففي تصعيد دراماتيكي غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية، وسّع جيش الاحتلال عملياته العسكرية لتشمل إنزالاً جوياً للجنود، وقصفاً بالمروحيات القتالية، وتفجيراً للمنازل في قلب الأحياء السكنية. هذا "الجحيم" الذي يصبّه الاحتلال على رؤوس الفلسطينيين في طوباس وجنين ونابلس ورام الله، ليس رد فعل أمني عابر، بل هو تطبيق حرفي لسياسة "الأرض المحروقة" و"كي الوعي"، بهدف كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة وتدفيع المجتمع الفلسطيني بأكمله ثمناً باهظاً لمجرد البقاء والصمود.
طوباس وقباطية: ساحة حرب وإنزال جوي
شهدت محافظة طوباس وبلدة عقابا تطوراً خطيراً تمثل في تنفيذ الاحتلال عملية إنزال جوي لجنود المشاة في منطقتي "الأحراش" و"سهل طوباس"، في خطوة تعكس نية الاحتلال فرض سيطرة ميدانية كاملة ومفاجئة، متجاوزاً الحواجز التقليدية. هذا الإنزال تزامن مع قصف جوي عنيف من مروحيات "الأباتشي" الأمريكية الصنع، التي أطلقت نيران رشاشاتها الثقيلة تجاه منازل المواطنين، مما أثار حالة من الرعب والهلع بين السكان، وأعاد للأذهان مشاهد اجتياحات عام 2002.
في قباطية (جنوب جنين)، فرض الاحتلال حظر تجوال شامل حتى إشعار آخر، محولاً البلدة إلى سجن كبير. وأفادت التقارير بأن قوات الاحتلال حولت عدداً من المنازل إلى "مراكز تحقيق ميدانية"، حيث يتم تجميع الشبان والتحقيق معهم بأساليب وحشية، فيما تواصل الجرافات العسكرية تدمير البنية التحتية وإغلاق الطرق بالسواتر الترابية، لعزل البلدة عن محيطها تماماً.
تفجير المنازل: سياسة "الهدم العقابي" في نابلس وجنين
امتدت يد الإجرام الإسرائيلي لتطال الحجر كما البشر. ففي مدينة نابلس، وتحديداً في حي زواتا، أقدمت قوات الاحتلال فجر اليوم على تفجير منزل الأسير عبد الكريم صنوبر، بعد تفخيخه بكميات هائلة من المتفجرات. الانفجار لم يدمر شقة الأسير فحسب، بل تسبب في تضرر أكثر من 20 منزلاً وشقة مجاورة، مما شرد عشرات العائلات وأجبرها على المبيت في العراء، في جريمة "عقاب جماعي" مكتملة الأركان.
ولم يسلم مخيم جنين من هذه السياسة؛ حيث فجّر جيش الاحتلال منزلاً آخر داخل المخيم مساء الثلاثاء، وسط اشتباكات عنيفة ودوي انفجارات هزت المنطقة بأكملها. هذه التفجيرات الممنهجة تهدف إلى "إعدام المكان" وجعل تكلفة المقاومة باهظة على العائلات والمجتمع المحيط.
رام الله والقدس: اغتيالات ميدانية ورصاص فلتان
في رام الله، واصل الاحتلال سياسة "الإعدام بدم بارد". فقد استشهد شاب قرب مستوطنة "عطيرت" بعد أن أطلق جنود الاحتلال النار عليه وتركوه ينزف حتى الموت بزعم محاولة طعن، في سيناريو مكرر لاغتيال الفلسطينيين لمجرد الاشتباه. وفي القدس المحتلة، وتحديداً في بلدة أبو ديس، شنت القوات حملة اعتقالات واسعة، تخللها اعتداءات وحشية على المواطنين وتخريب لمحتويات المنازل.
الحصيلة الدامية: شهداء ومعتقلون وجرحى
أسفر هذا العدوان المتواصل خلال الساعات الأخيرة عن ارتقاء شهيدين جديدين، ليرتفع عدد شهداء الضفة منذ بداية العام إلى أكثر من 253 شهيداً. كما شنت القوات حملة اعتقالات مسعورة طالت عشرات الشبان في مختلف المحافظات، وتركزت في جنين ونابلس ورام الله، حيث تم اقتياد المعتقلين إلى مراكز توقيف مجهولة.
خلاصة: الضفة أمام "واقع أمني" جديد
ما يجري في الضفة الغربية اليوم يتجاوز مفهوم "التصعيد التقليدي". إن استخدام الطيران المروحي، والإنزال الجوي، وتفجير المنازل بالجملة، وحصار المستشفيات، يشير بوضوح إلى قرار إسرائيلي بشن "حرب استنزاف شاملة" تهدف إلى كي وعي الفلسطينيين وكسر إرادتهم.
الاحتلال يسعى لخلق واقع جديد تكون فيه كل مدينة وقرية "معزولة ومستباحة"، وحيث يصبح القتل والهدم جزءاً من الروتين اليومي. وأمام هذا البطش، وصمت العالم المتواطئ، يقف الفلسطيني وحيداً، يدافع بلحمه الحي عن بيته ومخيمه، مدركاً أن هذه المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي معركة وجود وبقاء.

