في الوقت الذي تكافح فيه مصر أزمة اقتصادية طاحنة، أثار الإعلان عن مشروع استثماري ضخم لرجل الأعمال البارز هشام طلعت مصطفى، بقيمة تصل إلى 788 مليون دولار، عاصفة من الجدل والانتقادات. يتضمن المشروع بناء فندق "فورسيزونز" فاخر على مساحة 350 ألف متر مربع خلف المتحف المصري الكبير مباشرةً. هذا التزامن بين رعاية مجموعة طلعت مصطفى لفعاليات المتحف الكبرى وحصولها على هذا المشروع الاستراتيجي أثار تساؤلات جدية حول تضارب المصالح وغياب الشفافية، مما يلقي بظلال من الشك على طبيعة العلاقة بين كبار رجال الأعمال والدولة.

 

تفاصيل المشروع وموقعه الاستراتيجي

 

كشفت مجموعة "طلعت مصطفى القابضة"، إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في مصر، عن خططها لإنشاء مجمع فندقي وسكني فاخر، سيكون أبرز معالمه فندق "فورسيزونز" الجديد. الأهمية الاستثنائية للمشروع لا تكمن في حجم استثماراته الهائل فحسب، بل في موقعه المتميز على أرض تقع خلف المتحف المصري الكبير مباشرة، أحد أهم المشاريع القومية في مصر. هذا الموقع يمنح المشروع قيمة استثنائية ويجعله وجهة رئيسية للسياحة الفاخرة المرتبطة بزيارة المتحف، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تخصيص هذه الأرض الحيوية تحديدًا لهذه الشركة.


 

رعاية المتحف وبوابة المصالح

 

ما يزيد من حدة الجدل هو الدور البارز الذي لعبته مجموعة طلعت مصطفى كراعٍ رئيسي للعديد من الفعاليات والحفلات التي أقيمت في المتحف المصري الكبير. يرى مراقبون ونشطاء أن هذا الدعم المالي السخي لم يكن مجرد عمل خيري أو مسؤولية مجتمعية، بل كان استثمارًا محسوبًا لتعزيز نفوذ المجموعة وتسهيل الحصول على امتيازات حكومية، أبرزها هذا المشروع الضخم. يشير المنتقدون إلى أن رعاية أيقونة ثقافية وطنية مثل المتحف لا ينبغي أن تكون بوابة للحصول على أراضٍ ومشاريع استراتيجية تدر أرباحًا بمليارات الدولارات، وهو ما يشكل، بحسب وصفهم، "نموذجًا صارخًا لفساد الكبار" حيث يتم استخدام المال للتأثير على قرارات الدولة وتوجيهها لخدمة المصالح الخاصة.

 

غياب الشفافية وتساؤلات حول التخصيص

 

تتركز الانتقادات الأكبر حول انعدام الشفافية في عملية تخصيص هذه الأرض الحيوية. لم تعلن الحكومة عن طرح مناقصة عامة تتيح لشركات أخرى التنافس على تطوير هذا الموقع الفريد، مما يعزز الشكوك بأن الصفقة تمت من خلال "التخصيص المباشر". يؤكد خبراء اقتصاديون أن غياب المنافسة الشفافة يهدر على الدولة فرصة تحقيق أفضل عائد ممكن من أصولها، ويفتح الباب أمام المحسوبية وتفضيل رجال الأعمال المقربين من السلطة. في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن المصري، يصبح تخصيص أراضٍ بهذه القيمة لمشاريع تخدم فئة محدودة من الأثرياء أمرًا مستفزًا ويثير الغضب الشعبي.

 

استثمار أم استغلال نفوذ؟

 

في النهاية، بينما تقدم الحكومة المشروع على أنه نجاح في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لقطاع السياحة، يراه قطاع واسع من المصريين مثالًا آخر على كيفية عمل الاقتصاد السياسي في مصر، حيث تتشابك مصالح رجال الأعمال النافذين مع مؤسسات الدولة. يبقى السؤال المحوري قائمًا: هل مشروع هشام طلعت مصطفى هو استثمار مشروع يخدم الاقتصاد الوطني، أم أنه نتيجة مباشرة لاستغلال النفوذ والعلاقات لتعظيم الأرباح الخاصة على حساب المصلحة العامة؟ ومع استمرار تنفيذ المشروع خلف صرح ثقافي عظيم، ستظل الشكوك تحوم حول الصفقة، لتذكر المصريين بالفجوة المتزايدة بين مصالح النخبة الحاكمة وحلفائها من رجال الأعمال، وبين واقعهم اليومي الصعب.