في ظل تفاقم الأزمة التي تضرب مؤسسة بهية لعلاج سرطان السيدات، تتكشف ملامح مشهد صادم يكشف حجم الفساد المالي والإداري المتغلغل داخلها، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الغاضبة من استغلال المعاناة الإنسانية لمريضات السرطان لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية.

القضية لم تعد مجرد اتهامات فردية، بل باتت نموذجاً صارخاً لتغلغل الفساد في المؤسسات الخيرية التي تحولت إلى أدوات في يد السلطة وحزب "مستقبل وطن" الذي يكرس نفوذه من خلال شبكات المصالح والولاءات.

 

تبرعات مشبوهة وولاء سياسي فاضح

أثارت التبرعات الضخمة التي قدمتها المديرة التنفيذية لمستشفى بهية، الدكتورة جيلان أحمد، إلى حزب "مستقبل وطن" جدلاً واسعاً، إذ تجاوزت قيمتها 70 مليون جنيه.

هذه الخطوة لا يمكن قراءتها إلا في إطار شراء الولاءات السياسية وتوظيف المال الخيري لخدمة أجندة الحزب المقرب من السلطة. التبرع بهذا المبلغ من مؤسسة تعتمد على التبرعات العامة يطرح أسئلة خطيرة حول مصدر هذه الأموال وكيفية التصرف فيها، خصوصاً أن الهدف المعلن للمستشفى هو إنقاذ الأرواح لا تمويل الحملات الانتخابية.

إن ما قامت به جيلان أحمد ليس سوى مثال صارخ على كيفية تسخير العمل الخيري كغطاء لتلميع صورة سياسية أو ضمان مقاعد داخل دوائر النفوذ.

 

شبكة فساد إداري ومالي

تكشف تقارير رقابية وإعلامية عن وجود شبكة فساد محكمة داخل المستشفى، تشمل عقوداً وهمية مع شركات تأسست خصيصاً لنهب التبرعات.

أبرز هذه الشركات هي "أفق الرعاية الطبية" التي حصلت على عقود صيانة ومشتريات بمبالغ ضخمة رغم عدم امتلاكها سجل نشاط فعلي.

الأموال التي كان يفترض أن تُوجَّه لتطوير الأجهزة الطبية أو تحسين خدمات العلاج، جرى تحويلها لمصالح شخصية ولجهات خارج نطاق المستشفى.

هذه الممارسات ليست مجرد أخطاء إدارية، بل جرائم متكاملة الأركان تعكس حماية سياسية واضحة من أطراف ترتبط بحزب "مستقبل وطن" الذي يستخدم المؤسسات الخيرية لتوسيع نفوذه وشراء الولاءات.

 

تضخم الأسعار والتحايل على المناقصات

الفساد امتد إلى نظام المشتريات والمناقصات، حيث جرى تضخيم أسعار المعدات الطبية بنسبة وصلت إلى 220% مقارنة بالأسعار الحقيقية.

هذا التضخم لم يكن نتيجة سوء إدارة، بل بسبب التواطؤ بين الإدارة العليا وبعض الموردين المقربين من عائلة المديرة التنفيذية.

تحولت المناقصات إلى صفقات مغلقة عبر أوامر صرف مباشر، في انتهاك صارخ للقوانين المنظمة للمؤسسات العامة والخيرية.

هذا النمط من التلاعب المالي يكشف أن المستشفى لم تعد مؤسسة طبية بقدر ما أصبحت شركة خاصة تُدار بعقلية الاحتكار والمحسوبية.

 

سرقة ممنهجة واستغلال لآلام المرضى

ربما أكثر ما يثير الغضب هو ما كشفته التحقيقات من تورط مباشر للدكتورة جيلان أحمد وزوجها الدكتور أحمد البسطويسي في قضايا تتعلق بتجارة الأدوية المخصصة لعلاج مرضى السرطان.

فبدلاً من توجيه هذه الأدوية للمحتاجين، تم استغلالها كمصدر ربح غير مشروع عبر تحويلها إلى قنوات خاصة تحت غطاء شركات مثل "بلاتينيوم".

هذا السلوك يمثل خيانة صريحة للأمانة، وتجسيداً لنهب المال الخيري في أبشع صوره. لقد تحولت المستشفى من رمز للعطاء إلى وكر للسرقة والتربح على حساب حياة المرضى.

 

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

يرى الخبراء أن فساد مستشفى بهية يمثل ضربة قاسية لثقة المجتمع في المؤسسات الخيرية، ويهدد ثقافة التبرع التي تعد إحدى ركائز التضامن الاجتماعي في مصر.

حين تتحول المؤسسات التي يفترض أن تكون ملاذاً للضعفاء إلى أدوات للنهب والابتزاز السياسي، فإن ذلك يعني انهياراً أخلاقياً قبل أن يكون مالياً.

الأموال التي تُسرق من المستشفى ليست مجرد أرقام، بل هي أرواح نساء كان يمكن إنقاذهن، وأحلام أسر فقيرة كانت تنتظر رحمة الطب المجاني، لا قسوة الفساد المنظم.

 

تحالف الفساد بين "جيلان" و"مستقبل وطن"

إن ما يجري في مستشفى بهية يكشف عن تحالف خفي بين رأس المال الفاسد والسلطة السياسية ممثلة في حزب "مستقبل وطن".

فالحزب الذي يرفع شعارات دعم الدولة وتنمية المجتمع، يغض الطرف عن نهب أموال المتبرعين ويستفيد من تحويلها إلى خزائنه.

أما الدكتورة جيلان أحمد، فقد جسدت الوجه الحقيقي لهذا التحالف؛ حيث جمعت بين السلطة المالية والنفوذ السياسي، مستغلة المرضى كوسيلة لتلميع صورة حزب لم يعد يخفي فساده.

تلك الممارسات تستوجب تحقيقاً قضائياً شفافاً ومحاسبة علنية لكل المتورطين، مهما كانت مناصبهم أو انتماءاتهم. إن حماية العمل الخيري من التلوث السياسي لم تعد خياراً بل ضرورة وطنية، فكل تهاون في مواجهة هذا الفساد هو مشاركة ضمنية في جريمة ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد القانون.