في خضم موجة غضب عارمة، اشتعلت شوارع العاصمة البيروفية ليما باحتجاجات واسعة قادها الشباب، مما أجبر الحكومة الجديدة على إعلان حالة الطوارئ.

هذا المشهد، الذي تكرر في دول أخرى مثل نيبال والمغرب، يثير تساؤلات حادة حول الحراك الشبابي في مصر، حيث يعيش "جيل Z" تحت وطأة ظروف معقدة ومشاعر متراكمة من الإحباط والانسداد.
فمتى ينتقل هذا الجيل من التعبير الرقمي إلى الاحتجاج الواقعي في الشارع؟


يستعرض هذا التقرير أحداث بيرو كنموذج، ويحلل واقع "جيل Z" في مصر، مستشرفاً العوامل التي قد تدفعه للتحرك.
 

بيرو: غضب الشباب يهز أركان الحكومة
في أكتوبر 2025، اندلعت احتجاجات ضخمة في العاصمة ليما وعدة مدن بيروفية ضد الإدارة الجديدة للرئيس خوسيه خيري.
كانت المظاهرات، التي قادها أساساً شباب "الجيل Z"، تعبيراً عن سخط شعبي واسع تجاه تفشي الجريمة المنظمة — من قتل وابتزاز — والفساد المستشري في الطبقة السياسية.

تحولت المظاهرات السلمية سريعاً إلى مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة، لا سيما أمام مبنى البرلمان في ليما، حيث استخدمت القوات الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق الحشود، بينما رد المتظاهرون بإلقاء الحجارة.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل شخص وإصابة العشرات من المدنيين ورجال الشرطة والصحافيين.


أمام تصاعد الغضب الشعبي، أعلنت الحكومة فرض حالة الطوارئ في العاصمة، مبررة القرار بضرورة مكافحة الجريمة.
لكن هذا الإجراء عكس في جوهره حجم الضغط الذي مارسه الشارع، وأظهر كيف يمكن لحراك شبابي أن يزعزع استقرار حكومة بأكملها.


 


جيل Z في مصر: غضب مكبوت وسخرية رقمية
على الجانب الآخر من العالم، يقف "جيل Z" في مصر — المولودون بين أواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية — ككتلة سكانية تمثل أكثر من ربع المجتمع.
هذه الفئة لم تخرج إلى الشوارع بعد، لكنها تعبر يومياً عن غضبها وإحباطها عبر المنصات الرقمية، من خلال منشورات ساخرة، وميمز لاذعة، وانتقادات غير مباشرة للوضع القائم.

وتتعدد دوافع هذا الغضب بين الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وأبرزها:

  • الأزمة الاقتصادية الخانقة: يواجه الشباب واقعاً يزداد صعوبة، إذ أصبحت أحلام الاستقلال المادي — كشراء شقة أو سيارة — شبه مستحيلة دون دعم عائلي. ومع تراجع الفرص، تحولت الهجرة إلى الحلم الأكثر تداولاً بينهم كطريق وحيد نحو مستقبل أفضل.
  • الشعور بالظلم والفجوة الطبقية: يرى هذا الجيل الانقسام الصارخ بين معاناة الأغلبية وحياة الرفاه التي تنعم بها أقلية معزولة تحكمها المحسوبية والواسطة، ما يولد شعوراً بالمرارة واللاعدالة.
  • الضغوط النفسية: يصنَّف "جيل Z" من أكثر الأجيال تعرضاً لمشكلات الصحة النفسية. وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 40% منهم يشعرون بالحزن أو اليأس المستمر نتيجة الضغوط الأكاديمية وتقلبات سوق العمل وضغط الصورة المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي.
     

من العالم الافتراضي إلى الشارع: متى تتحرك الشرارة؟
لا يمكن لأحد التنبؤ باللحظة التي سيتحول فيها "جيل Z" في مصر من الغضب الرقمي إلى الفعل الميداني، فذلك مرتبط بشرارة قد تشتعل في أي وقت.
ومع ذلك، فإن المؤشرات القائمة توحي بأن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية باتت مهيأة لحراك من نوع مختلف.
 

بوادر التحرك
على خلاف الأجيال السابقة، لا ينتظر "جيل Z" إطاراً سياسياً تقليدياً أو زعيماً يقوده.
انطلاقته تبدأ في فضاءات رقمية غير متوقعة، مثل تطبيقات "ديسكورد" و"تيك توك".

وقد بدأت بالفعل بوادر رمزية لهذا الحراك تظهر في القاهرة، حيث رُصدت كتابات "غرافيتي" على الجدران والجسور تحمل شعار "جيل زد قادم"، في إشارة إلى انتقال الاحتجاج من الشاشات إلى الشوارع.
 

عوامل قد تُعجّل بالتحرك

  • حراك عابر للحدود: يتابع الشباب المصري عن كثب تحركات أقرانهم في دول مثل المغرب وبيرو، ويرى في نجاحهم نموذجاً ملهماً يؤكد أن التغيير ممكن.
  • علاقة مختلفة مع السلطة: نشأ هذا الجيل في ظل واقع صعب، لكنه يتعامل معه بسخرية وجرأة بدلاً من الخوف. ومع قدرته على توثيق الانتهاكات ونشرها، أصبح أكثر استعداداً لكسر حاجز الصمت.
  • محرك اقتصادي: مطالب هذا الجيل ليست أيديولوجية بقدر ما هي معيشية — تحسين الخدمات، محاربة الفساد، وتوفير فرص عمل تضمن حياة كريمة.

الظروف التي أشعلت شوارع ليما حاضرة بقوة في الواقع المصري.
ومع أن القبضة الأمنية ما تزال رادعاً قوياً، إلا أن الغضب المكبوت داخل جيل يمثل قوة ديموغرافية ضخمة أشبه بقنبلة موقوتة.

السؤال اليوم لم يعد: هل سيتحرك هذا الجيل؟ بل متى ستأتي الشرارة التي تشعل هذا الوقود المتراكم؟