في لحظة ظن فيها نظام السيسي أنه أحكم قبضته على المجال العام، وأغلق كل منافذ الأمل في وجه التغيير، خرجت من تحت الرماد شرارة لم يتوقعها أحد. حركة "Gen Z002" ليست مجرد هاشتاج عابر أو موجة غضب رقمية، بل هي "الزلزال" الذي تخشاه أجهزة الأمن وتتحسب له دوائر الحكم. هؤلاء الشباب، الذين لم يتجاوزوا الخامسة والعشرين، نجحوا فيما فشلت فيه أحزاب عريقة ونخب سياسية مخضرمة: كسر حاجز الصمت، وفرض معادلة جديدة تقول بوضوح إن المستقبل لا يُحتكر، وإن جيل الإنترنت قادر على هز عروش الطغاة بأدوات بسيطة ولكن بوعي عميق وإرادة لا تلين.
أنس حبيب: الصوت الذي اخترق الجدار
ظاهرة أنس حبيب، أحد الوجوه البارزة في الحركة، تمثل كابوساً للنظام الأمني التقليدي. فهو لا ينتمي لتنظيم سري، ولا يتلقى تمويلاً خارجياً، ولا يملك ماكينة إعلامية ضخمة. سلاحه الوحيد هو هاتفه المحمول، ولغته المباشرة التي تخاطب عقول وقلوب جيله بصدق وجرأة. هذا الشاب، ومن خلفه الآلاف، استطاع أن يهز النظام نفسياً وإعلامياً، مجبراً إياه على الاستنفار لمواجهة "عدو" غير مرئي، لا يملك مقرات يمكن إغلاقها ولا قيادات تقليدية يمكن اعتقالها بسهولة. نجاح أنس في تحريك المياه الراكدة يثبت أن "الشرعية الثورية" قد انتقلت من الميادين المغلقة إلى الفضاء الرقمي المفتوح، حيث لا سلطان للرقيب.
"ميثاق الأمل": من الاحتجاج إلى بناء الدولة
ما يميز حركة "Gen Z002" عن غيرها من الحركات الاحتجاجية السابقة، هو نضجها السياسي المبكر. فهؤلاء الشباب لم يكتفوا بالرفض والصراخ، بل قدموا بديلاً عملياً متمثلاً في "ميثاق الأمل". هذا الميثاق ليس مجرد ورقة مطالب، بل هو مشروع دولة متكامل، يُطرح للنقاش الشعبي في سابقة ديمقراطية نادرة. بطرحهم للميثاق، أثبت شباب الحركة أنهم يملكون رؤية لبناء مصر المستقبل، وأنهم مستعدون لتحمل المسؤولية السياسية، متجاوزين فكرة "الثورة للفوضى" إلى فكرة "الثورة للبناء". هذا الانتقال من مربع "الهدم" إلى مربع "التأسيس" هو ما يزعج النظام أكثر من أي شيء آخر، لأنه يسحب البساط من تحت أقدام سردية "الاستقرار المزعوم".
جيل بلا "كفيل".. استقلالية القرار الوطني
في بيئة سياسية ملوثة بالمال السياسي والتبعية، تبرز استقلالية "Gen Z002" كنقطة قوة حاسمة. إعلان الحركة أنها لا تتبع أي طرف، وأنها تمول نفسها بنفسها، وأن ولاءها الوحيد للوطن، أعاد الثقة المفقودة بين الشارع والعمل السياسي. هذا الجيل يرفض أن يكون "وقوداً" لمعارك الآخرين، ويرفض الوصاية من النخب القديمة. هم يقدمون أنفسهم كـ"الرقم الصعب" في المعادلة، المستعد للتحالف مع أي قوة وطنية مخلصة، ولكن بشروطهم وبسقفهم الوطني العالي. هذه الاستقلالية تجعلهم عصيين على الاحتواء أو التدجين، وتضعهم في موقع الند للسلطة وليس التابع لها.
خارطة الطريق: بداية النهاية للنظام القديم
الإعلان المرتقب عن "خارطة الطريق" الشاملة يمثل نقطة تحول استراتيجية. إنه يعني أن المبادرة قد تحولت إلى مؤسسة، وأن الغضب قد تحول إلى خطة عمل. دخول هذا الجيل إلى حلبة السياسة بأدواته الحديثة (التنظيم الرقمي، الحشد الشبكي، الخطاب المباشر) يغير قواعد اللعبة تماماً. النظام الذي اعتاد التعامل مع المعارضة التقليدية بأدوات القمع والتشويه، يجد نفسه اليوم عاجزاً أمام جيل يسبقه بخطوات في الفهم والتكتيك.
المستقبل يكتبه "جيل Z"
حركة "Gen Z002" ليست مجرد فصل في كتاب السياسة المصرية، بل هي العنوان العريض للمستقبل. في بلد يبحث عن مخرج من نفق الظلم والفقر، يأتي هؤلاء الشباب ليقولوا: "نحن الأمل، ونحن الحل". معركتهم ليست سهلة، لكنها معركة وجود ومصير. وإذا كان النظام يراهن على الوقت والنسيان، فإن هذا الجيل يراهن على الوعي والإصرار. التاريخ يعلمنا أن الدول تهتز حين يقرر شبابها أن يصنعوا قدرهم بأيديهم، ويبدو أن مصر على موعد مع هذا القدر المحتوم، بصوت وصورة وتوقيع "جيل Z".

