أقدمت الأجهزة الأمنية خلال الأيام الماضية على حملة اعتقالات طالت اثنين من أقارب أحد ضحايا جريمة التصفية الجسدية في مركز إدفو بمحافظة أسوان، إلى جانب توقيف صاحب الكاميرا التي وثّقت الجريمة التي هزّت الرأي العام، في خطوة اعتبرها مراقبون “رسالة تهديد” لكل من يسعى إلى كشف الحقيقة أو توثيق الانتهاكات.

وتأتي الاعتقالات الجديدة عقب انتشار مقطع فيديو صادم يُظهر لحظة إطلاق النار من قِبل قوات الأمن على سيارة مدنية تقل خمسة مواطنين، قبل أن تشتعل فيها النيران وتتفحم جثثهم بالكامل. المقطع الذي تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أعاد إلى الواجهة ملف “القتل خارج نطاق القانون” في مصر، وأثار موجة غضب شعبي وحقوقي واسعة، خصوصًا بعد بيان وزارة الداخلية الذي وصفه كثيرون بأنه “محاولة بائسة لتبرير جريمة مكتملة الأركان”.
 

اعتقالات انتقامية جديدة
أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان في بيان رسمي أنها وثّقت قيام قوات الأمن المصرية بالقبض على:

  • محمد محمود عبدالعظيم (33 عامًا) – شقيق الضحية أحمد محمود عبدالعظيم، أحد الخمسة الذين لقوا حتفهم في واقعة التصفية الجسدية بتاريخ 27 سبتمبر الماضي على طريق الزراعة في وادي الصعايدة بإدفو.
  • طارق أحمد عبدالعظيم (32 عامًا) – ابن عم الضحية، ويعمل في المملكة العربية السعودية، حيث تم القبض عليه أثناء وجوده في مصر لقضاء إجازة قصيرة، واحتُجز داخل مركز شرطة إدفو دون إعلان أي أسباب قانونية أو توجيه اتهامات رسمية له حتى اللحظة.
  • كما طالت الحملة المهندس هيثم أبو المجد (35 عامًا) – صاحب المخزن الذي التقطت كاميراته مقطع الفيديو الموثّق للجريمة – حيث وُجهت إليه اتهامات ملفقة بعد تداول المقطع المصوّر الذي كشف حقيقة ما جرى.

ووفقًا لشهادات محلية، نفّذت قوات الأمن المداهمات مساء الخميس 9 أكتوبر الجاري في قرية البصلية التابعة لمركز إدفو، وجرى اقتياد المعتقلين الثلاثة إلى مركز الشرطة قبل أن يتم ترحيل محمد محمود إلى القاهرة يوم السبت الماضي في ظروف غامضة. حتى الآن، لا تعلم أسرته مكان احتجازه، ولم يُسمح لمحاميه بلقائه أو التواصل معه.
 

جريمة تهز الرأي العام
تعود الواقعة التي أشعلت الغضب إلى مساء 27 سبتمبر الماضي، حين طاردت قوات أمن سيارة مدنية على طريق وادي الصعايدة الزراعي، وأطلقت عليها وابلًا من الرصاص أدى إلى احتراقها بالكامل ومصرع جميع من بداخلها في مشهد مروّع وثّقته كاميرات المراقبة التابعة لإحدى المزارع القريبة.

وعلى الرغم من ظهور الأدلة المصوّرة، سارعت وزارة الداخلية إلى إصدار بيان في اليوم التالي زعمت فيه أن السيارة كانت “تحمل كمية كبيرة من المواد المخدّرة”، في محاولة لتبرير استخدام القوة المميتة. غير أن شهود عيان وأقارب الضحايا أكدوا أن القتلى كانوا من أبناء المنطقة المعروفين بحسن السمعة والسلوك، ولم يسبق اتهامهم في أي قضايا جنائية.
 

قمع الشهود بدلًا من محاسبة الجناة
ترى الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن حملة الاعتقالات الأخيرة تمثل نمطًا ممنهجًا من استهداف الشهود وأهالي الضحايا في قضايا الانتهاكات الجسيمة، بدلًا من التحقيق مع المتورطين في الجريمة، وعلى رأسهم الضابط محمد همام، الذي تشير المعلومات إلى مسؤوليته المباشرة عن إطلاق النار على السيارة.

وأكدت الشبكة في بيانها أن “قيام السلطات بالقبض على أقارب الضحايا وصاحب الكاميرا ليس إلا محاولة مكشوفة لإخفاء الأدلة ومنع تداول الحقيقة”، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تكرّس لنهج القمع الممنهج وتهدد ما تبقّى من مساحة لحرية التعبير أو المطالبة بالمحاسبة.
 

مطالب عاجلة من السلطات
وطالبت الشبكة المصرية كلاً من النائب العام المستشار محمد شوقي ووزير الداخلية بالتدخل العاجل من أجل: الإفراج الفوري وغير المشروط عن المواطنين الثلاثة المحتجزين تعسفيًا، وفتح تحقيق مستقل وشفاف في واقعة التصفية الجسدية التي راح ضحيتها خمسة مواطنين أبرياء، ومحاسبة جميع المسؤولين عن الجريمة، وعن محاولة التستر عليها وترويج روايات كاذبة لتشويه سمعة الضحايا.

كما شددت الشبكة على أن استمرار سياسة “القتل خارج نطاق القانون” و”تلفيق التهم” بحق الشهود والضحايا يُقوّض الثقة في مؤسسات العدالة، ويهدد الأمن المجتمعي على المدى الطويل، مؤكدة أن “العدالة لا تتحقق بالرصاص، بل بالمحاسبة وسيادة القانون”.
 

“اغتيال مرتين”
واختتمت الشبكة بيانها بالقول إن الضحايا الخمسة “تعرّضوا للاغتيال مرتين”: الأولى حين أُطلقت عليهم النار دون محاكمة أو مبرر قانوني، والثانية حين اغتالت الجهات الرسمية سمعتهم باتهامات باطلة، لتبرير جريمة القتل أمام الرأي العام.

وفي ظل غياب المساءلة واستمرار ملاحقة كل من يطالب بالحقيقة، تبقى جريمة “تصفية إدفو” شاهدًا جديدًا على واقع القمع والإنكار الذي يعيشه المجتمع، حيث تُدفن الأدلة مع الضحايا، ويُسجن الشهود بدلًا من الجناة.

https://www.facebook.com/reel/779214365014197