شهدت الساعات الماضية تطورات لافتة في ملف ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، بعدما أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، من نيويورك، وجود انفتاح عربي على فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة، بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، من أجل مساعدة السلطة الفلسطينية على إدارة القطاع.
وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزراء خارجية عرب وأوروبيين على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
 

انفتاح مصري وتحالف دولي جديد
قال عبدالعاطي إن هناك توافقاً أولياً على صيغة إدارة فلسطينية مؤقتة للقطاع، دون مشاركة الفصائل الفلسطينية المسلحة، مكتفياً بالإشارة إلى أن التفاصيل ستناقش في وقت لاحق.
وجاءت تصريحاته ضمن فعاليات "التحالف الدولي من أجل حل الدولتين"، الذي يضم دولاً عربية وأوروبية عدة، في إطار مساعٍ دولية لإنهاء الحرب الممتدة منذ عامين على غزة.
 

دعم سعودي مباشر للسلطة الفلسطينية
من جانبه، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إطلاق تحالف دولي طارئ لتمويل السلطة الفلسطينية، مؤكداً أن التمويل سيكون بشكل مباشر وبشراكة مع عدد من الأطراف الدولية.
وكشف عن تقديم المملكة 90 مليون دولار للسلطة، مع التأكيد على أن غزة والضفة الغربية كيان واحد تحت إدارة السلطة الفلسطينية، في محاولة لدفع الأمور نحو توحيد الإدارة السياسية.
 

الموقف الأردني وتحميل إسرائيل المسؤولية
أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فقد شدّد على أن العائق الأكبر أمام تنفيذ حل الدولتين هو الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يرفض علناً إقامة الدولة الفلسطينية.

الصفدي اعتبر أن استمرار الحرب والإبادة في غزة، وتوسيع الاستيطان في الضفة، وممارسات الاحتلال في سوريا ولبنان، كلها تؤكد غياب أي نية لدى إسرائيل لتحقيق سلام عادل.
وأضاف أن المجموعة العربية الإسلامية تتمسك بخيار الدولة الفلسطينية المستقلة، باعتباره الطريق الوحيد لضمان الأمن والسلام في المنطقة.
 

تحركات فلسطينية متوازية
في موازاة هذه التطورات، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تمكين السلطة من السيطرة الكاملة على غزة، مؤكداً استعدادها لتحمل المسؤوليات الأمنية والإدارية ونزع سلاح الفصائل.
هذه الدعوة جاءت لتتماهى مع الجهود الدولية الداعية إلى إنهاء الحرب وإعادة إعمار القطاع.
 

خطة ترامب المثيرة للجدل
تتزامن هذه التحركات مع خطة أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تتألف من 21 بنداً، قُدمت لقادة عرب وإسلاميين في نيويورك.
ورغم أن تفاصيلها لم تُكشف رسمياً، فإن تقارير إعلامية إسرائيلية وغربية تحدثت عن أبرز ما تتضمنه، ومنها تعيين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للإشراف على عملية إعادة إعمار غزة وإدارتها عبر "سلطة انتقالية دولية".

وتشير الخطة أيضاً إلى نشر قوات دولية لمراقبة الحدود، على أن تنتقل إدارة القطاع تدريجياً للسلطة الفلسطينية في مرحلة لاحقة لم يُحدد إطارها الزمني.
 

دور بارز مرتقب لتوني بلير
صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أكدت أن بلير يسعى بالفعل لتولي دور محوري في إدارة شؤون غزة بعد الحرب، من خلال مجلس إشرافي دولي، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن معهد توني بلير وضع بالفعل خطوطاً أولية لخطة إعادة الإعمار.
ويبدو أن اسم بلير يحظى بقبول داخل دوائر أميركية وأوروبية، خاصة وأنه شارك في اجتماعات رفيعة برئاسة ترامب لمناقشة مستقبل غزة.
 

ردود فعل متباينة
ورغم التفاؤل الحذر الذي تبديه مصر وبعض الدول العربية، إلا أن ثمة خشية واضحة من محاولات إسرائيل عرقلة هذه الخطة أو استغلال ثغراتها لتكريس الاحتلال.
دبلوماسيون عرب عبّروا عن قلقهم من أن تُستخدم فكرة "الإدارة الدولية المؤقتة" كذريعة لتهميش الدور الفلسطيني أو إطالة أمد الانتقال السياسي.
 

غياب الموقف الرسمي الإسرائيلي والأميركي
حتى مساء الخميس، لم تصدر بيانات رسمية من واشنطن أو تل أبيب أو حتى من السلطة الفلسطينية بشأن هذه الخطة، ما يعكس حالة من الغموض وعدم اليقين.
إلا أن تقارير إعلامية إسرائيلية كشفت أن حكومة نتنياهو قد تضطر في نهاية المطاف للقبول بعودة السلطة إلى غزة، في إطار صفقة ترعاها واشنطن بمشاركة بلير وكوشنر ودول غربية مثل بريطانيا وفرنسا.

ما بين الانفتاح المصري، والدعم المالي السعودي، والتحذيرات الأردنية، والتحركات الأميركية والبريطانية، يبدو أن ملامح مرحلة جديدة تُرسم لغزة ما بعد الحرب.

غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل ستقبل الفصائل الفلسطينية بمسار لا دور لها فيه؟
وهل يمكن للوجود الدولي وإشراف بلير أن يضع أسس سلام عادل، أم أن الخطة ستتحول إلى إدارة مؤقتة تُطيل أمد الأزمة وتعمّق الانقسام الفلسطيني؟