في ظل التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة بأن المشكلات في بعض المستشفيات تأتي ضمن إطار "حالات فردية"، تبرز مجموعة من الاستغاثات والشهادات من قلب ميدان المعاناة، لا سيما في مستشفيات التعليم العالي مثل مستشفى الدمرداش.
هنا، حيث يتحول انتظار العلاج إلى رحلة مريرة بين الجدران الطبية الصامتة، تتراكم الشكاوى وتتعمق القناعة بأن الأزمة ليست محصورة، بل ضاربة الجذور في النظام الصحي.
في القلب: صرخات متكررة من الاستقبال في الدمرداش
ونشر أحد النشطاء صرخات من القلب لأب وأم مكلومين بسبب عجزهم وهم يرون ابنتهم تموت أمام اعينهم دون ان تتلقى العلاج المناسب، حيث يشكي الاب ان ابنته تحتاج لعملية فورا لكن الاجراءات طويلة ومعقدة وتعب من مسلسل الروتين حيث انه اجهد بسبب الموظفين الذين ارهقوه بين التأمين الصحي ومستشفى الدمرداش قائلا "انتوا هتموتوا بنتي ليه كل ده عشان عملية مستعجلة اجيب منين 20 الف جنيه عشان اعالجها بره".
https://www.facebook.com/watch/?v=1275519714040520
وسابقا شهد قسم الاستقبال بمستشفى الدمرداش، في مناسبات متعددة، حالات من الصراخ والمشادات العنيفة، أبرزها عندما فارقت مريضة الحياة خلال نقلها على "تروللي" غير مجهز، دون وجود طبيب أو ممرضة—حالة دفع ذويها إلى المطالبة بالعدالة.
تتكرر الشكاوى أيضاً بشأن تعاملات طبية جافة وجارحة، فكما تقول إحدى السيدات المراجعات للعيادات الخارجية: "...أسلوبهم وحش، بيحسسوكي إنك أقل منهم... احنا مضطرين نتحمل لأننا مش قادرين ندفع علاج في عيادة خاصة."
أما من ينتظر عملية جراحية، فقد وجد نفسه وأقاربه في عناء تنظيمي طويل، بعد أن أكملوا جميع الفحوصات المطلوبة فقط ليكتشفوا وجود أورام وبعد اشهر يدخول لغرفة العمليات بعد ان ساءت حالتهم ووقلت نسب الشفاء.
من “موتوا يرحمكم الله” إلى معاناة مؤسساتية تتجاوز “الحالات الفردية”
واحدة من أبرز التعليقات عن الواقع الطبي المؤلم من مريضة عنونت حالتها الرمزية بـ “موتوا يرحمكم الله.. الإهمال يفتك بالمرضى في مستشفيات التعليم العالي”،
مستشهدةً بحالات تغيب فيها الأسرة أو الدواء أو التفاعل الإنساني، ليصبح هناك انتظار طويل وسط ظروف مروعة.
وفي مستشفى أسيوط الجامعي، ارتفعت الأصداء حول نقص الأدوية الأساسية، وتأخر في الخدمات الطبية، وندرة الكوادر البشرية، بما أدى إلى ازدحام في أقسام الطوارئ ودعوات محتدة من نشطاء المجتمع المدني للتدخل العاجل.
شهادات الضحايا ليست حالات “فردية”—بل مدوية من داخل المستشفيات
تجمع الشهادات السابقة رواية متسقة: المرضى ينتظرون، يستجدّون، يصرخون، لكن لا يجدون آذاناً تسمع. هذه ليست أصوات مشتتة، بل خطوط تماس بين الواقع والتجاهل.
مشاهد المرضى يُفترشون الأرض أو يُنقلون بأنفسهم عبر الترامولين داخل المستشفى.
أسر تُغرقها الإجراءات الإدارية قبل البحث عن العلاج الحقيقي.
طلاب أو أطفال في حالات حرجة ينتظرون رضا أو تعاطف مسؤولين حتى يتم تفعيل حقهم في الرعاية—وليست مجرد “حالات فردية”.
واقع صحي ينفي خطاب “هي حالات فردية فقط”
توضح هذه الشهادات أن الإهمال هنا ليس نسياناً عرضياً، بل خللاً نظامياً. يعكس الفقر في الكوادر الطبية، وغياب التجهيزات، وضعف الاستجابة للمراجعات، ويكشف هشاشة المنظومة الصحية الجامعية ذاتها.
إذا كانت "الحالات الفردية" مجرد محاولات للتعبير عن الفردية، فإن الواقع يرسم صورة مؤسسية عامة تعاني شحاً غير محدود في الموارد، وانقطاعاً غير مبرر للأدوار الحيوية الرعاية.
وأخيرا فصرخة المواطن وضجيج المرضى داخل مستشفى الدمرداش ليسا أحداثاً منفصلة، بل خيوط متشابكة في نسيج الأزمة الصحية في مصر.
فاستمرار تجاهل هذه الاستغاثات باسم "الحالات الفردية" هو تجاهل متعمد لأزمة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح حقيقي، وليس ترقيعًا مؤقتًا. بدلاً من الدفاع عن النظام كقواعد صحيحة، يجب الاعتراف بالأخطاء، وتحمل المسؤولية، واتخاذ خطوات عملية لإنقاذ أرواح لا ينبغي أن تذهب غداً بلا حجة.