في واقعة أعادت إلى الأذهان ممارسات ظن الكثيرون أنها اندثرت، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الساعات الماضية بمقطع فيديو صادم لسيدة في صعيد مصر تخضع لطقس "البشعة"، وهو اختبار بدائي يعتمد على كي اللسان بالنار لإثبات البراءة أو التهمة، خاصة في قضايا الشرف.

الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، تحول من مجرد توثيق لعادة قبلية إلى قضية رأي عام، فجرت غضباً واسعاً ضد المتاجرة بكرامة النساء، واستدعت تدخلاً حاسماً من المؤسسة الدينية والبرلمان.

إعلان تجاري يتاجر بالشرف.. حقيقة الفيديو الصادم

بدأت القصة بتداول فيديو لسيدة يُمارس عليها هذا الطقس القاسي، حيث يتم تسخين قطعة معدنية لدرجة الاحمرار وتمريرها على لسانها. وسرعان ما تكشفت المفاجأة بأن الأمر لم يكن مجرد توثيق لواقعة حقيقية، بل كان "إعلاناً ترويجياً" للشخص الذي يمارس هذا الدجل.

وعلقت المدونة منال لوكا على المشهد، كاشفة تفاصيل هذا الطقس المعروف في الصعيد باسم "البشعة"، حيث يتم حرق لسان المرأة بالنار لمعرفة ما إذا كانت قد خانت زوجها أم لا، وفق معتقدات خرافية تقول إنه "لو النار ما لسعتهاش تبقى بريئة". وأشارت بسخرية وألم إلى أن الكارثة اتضحت في النهاية بأن السيدة كانت تشارك في إعلان للشخص "المجرم" الذي يمتهن هذا الطقس، في استهتار كامل بكرامة المرأة وعقول المتابعين.

https://x.com/Manal_Abdelaal/status/1996614910323859713

وفي السياق ذاته، صبت الإعلامية رانيا الخطيب غضبها على المنصات والمواقع الإخبارية التي تداولت الفيديو دون تدقيق أو وعي، متسائلة عما إذا كانت هذه المواقع تدرك حجم الجهل الذي تنشره، أم أن الهدف الوحيد هو "الترند والإلهاء" بغض النظر عن المحتوى الكارثي الذي يتم تصديره للمجتمع.

https://x.com/ElkhateebRania/status/1996604364257980604

دار الإفتاء: "البشعة" جريمة دينية وممارسة جاهلية

أمام هذا اللغط، كان لابد من كلمة فصل للمؤسسة الدينية. فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً حاسماً يقطع الطريق على أي محاولة لإضفاء الشرعية العرفية على هذه الممارسة. وأكدت الدار أن اللجوء إلى "البشعة" لإثبات الاتهام أو نفيه هو "ممارسة جاهلية وجريمة دينية وإنسانية".

ووصفت الإفتاء هذا الفعل بأنه صورة مستحدثة من الدجل والكهانة، واعتداء صارخ على منظومة العدل والقضاء التي كرم الله بها الإنسان، مشددة على حرمة المساس بسلامة الجسد الإنساني تحت أي مبرر خرافي لا يقره شرع ولا عقل.

https://x.com/MekameleenMk/status/1996666959803433127

تحرك برلماني: "كرامة المصريات خط أحمر"

لم يتوقف الغضب عند حدود الفتاوى الدينية، بل انتقل إلى أروقة السياسة. فقد تقدم النائب باسم كامل، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ببيان عاجل يطالب فيه بالتحقيق الفوري في الواقعة.

ووصف كامل المشهد بـ"المهين والمؤلم"، معتبراً إياه تراجعاً خطيراً عن أبسط معايير الكرامة الإنسانية. وقال في بيانه: "ما رأيناه ليس مجرد تصرف فردي ولا عادة قديمة، هذا انتهاك واضح للحق في السلامة الجسدية، واعتداء يتم خارج القانون".
وطالب النائب بتفعيل دور مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لمواجهة هذا الانتهاك، مؤكداً أن مصر "دولة مؤسسات" وليست ساحة للأعراف البدائية.

وشدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا الفيديو، محذراً من أن "التطبيع" مع هذه الممارسات عبر نشرها كإعلانات هو أخطر من الفعل نفسه، وأن "كرامة المصريات خط أحمر" لا يجوز المساس به تحت أي مبرر، سواء كان "شرفاً مزعوماً" أو "إعلاًناً رخيصاً".