في مشهد أعاد للأذهان حملات التشويه السياسي التي لا تنتهي، عاد الجدل ليشتعل مجدداً في الفضاء الإلكتروني المصري حول دستور عام 2012، ولكن هذه المرة من بوابة هوليوود. القصة بدأت بتداول مكثف من قبل لجان إلكترونية مؤيدة للنظام المصري الحالي لمقطع فيديو قديم للممثل الأمريكي جورج كلوني، يتحدث فيه عن زوجته المحامية الحقوقية أمل علم الدين (كلوني)، مشيراً في سياق حديثه إلى لقاء جمعها بـ"الإخوان المسلمين" حول الدستور المصري.
هذا التصريح الذي يعود للقاء تلفزيوني قبل ثلاث سنوات، تلقفته الأبواق الإعلامية كـ"دليل إدانة" ضد الدستور الذي صاغته الجمعية التأسيسية المنتخبة بعد ثورة يناير، في محاولة لتصويره كـ"منتج مستورد" أو خاضع لأجندات خارجية. إلا أن الردود جاءت سريعة وحاسمة من خبراء قانونيين، سياسيين، ومشاركين فعليين في كتابة الدستور، لنسف هذه الرواية بالأدلة والتواريخ، واصفين إياها بـ"الهذيان السياسي".
التواريخ تفضح الرواية: "دفاتر مفلسين"
تصدى الصحفي والإعلامي سامي كمال الدين لهذه المزاعم عبر منصة "إكس"، مفككاً الرواية من أساسها الزمني. أشار كمال الدين إلى أن جورج كلوني تعرف على أمل علم الدين لأول مرة في يوليو 2013 في حفل عشاء بإيطاليا، بينما الحقيقة الدامغة أن دستور 2012 "كُتب وانتهت صياغته في 30 نوفمبر 2012، وأُعتمد بشكل نهائي وأصبح سارياً قانونياً في 26 ديسمبر 2012".
وعلق كمال الدين ساخراً من استدعاء هذا الفيديو القديم الآن، قائلاً: "التاجر لما يفلس يدور في دفاتره القديمة"، مؤكداً أن هذا التضارب الزمني ينسف القصة من جذورها، إذ كيف يمكن لأمل أن تشارك في كتابة دستور كان قد أُقر وانتهى العمل به قبل أن تلتقي بزوجها المستقبلي بأشهر طويلة؟
https://x.com/samykamaleldeen/status/1996704007474020419
عمرو عبد الهادي: "شاهد عيان" يكشف المستور
من قلب الحدث، جاء رد السياسي وعضو الجمعية التأسيسية لدستور 2012، عمرو عبد الهادي، ليكون بمثابة شهادة "من أهل البيت". في سلسلة تغريدات مطولة، نفى عبد الهادي بشكل قاطع أي وجود لأمل علم الدين في أروقة التأسيسية، قائلاً: "بصفتي أحد كاتبي دستور 2012... طوال هذه الفترة لم أرَ أمل علم الدين في مصر، ولم يُذكر اسمها مطلقاً".
وأوضح عبد الهادي أن عملية كتابة الدستور لم تكن سرية، بل تمت بمشاركة مجتمعية واسعة شملت ملايين المصريين عبر 27 محافظة، وحضر جلساتها ممثلون عن كافة الطوائف، بمن فيهم الجيش، القضاء، الكنيسة، وحتى شخصيات عامة مثل باسم يوسف ونقيب الممثلين. وتساءل باستنكار: "هل يُعقل أن مشاركة أمل علم الدين كشخصية عامة كانت خافية عن العالم بأسره... وعن أجهزة المخابرات المتربصة؟".
واختتم عبد الهادي رده بالقول إن الاستعانة بخبراء دوليين ليست "تهمة" في حد ذاتها، ولكن "الكذبة" تكمن في اختلاق حدث لم يقع، واصفاً مروجي هذه الشائعات بـ"كتّاب المخابرات بلا موهبة ولا فهم".
https://x.com/amrelhady4000/status/1996732526933733455
أسامة رشدي: الخلط بين "الدستور" و"قضايا المعتقلين"
قدم السياسي أسامة رشدي تحليلاً يفكك أصل "الالتباس" في تصريحات كلوني. أوضح رشدي أن أمل علم الدين، بصفتها محامية حقوقية دولية، تولت بالفعل في عام 2014 الدفاع عن صحفيي قناة الجزيرة (قضية "خلية الماريوت") الذين اعتقلوا في مصر بعد انقلاب 2013.
ورجح رشدي أن جورج كلوني، في حديثه العابر، خلط بين "الدفاع عن معتقلين في مصر" وبين "كتابة الدستور"، خاصة وأن زواجهما تم في سبتمبر 2014، أي بعد عامين كاملين من انتهاء دستور 2012. وأكد رشدي أن "الرواية تتوافق زمنياً مع دفاعها عن الصحفي محمد فهمي، وليس مع كتابة الدستور"، واصفاً مروجي الشائعة بأن "عقولهم في أحذيتهم".
عمار علي حسن: "استغراب" من سذاجة الطرح
لم يخفِ الكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن دهشته من "سطحية" الادعاء، متسائلاً في تغريدة مقتضبة: "هل من المعقول أن تكون أمل علم الدين قد شاركت في إعادة كتابة دستور مصر 2012 بلندن مع مجموعة من الإخوان المسلمين؟". واعتبر أن تصريح كلوني، إذا أُخذ على ظاهره دون تمحيص، هو مجرد "كلام ممثل" لا يصمد أمام حقائق التاريخ والواقع السياسي المعقد لتلك الفترة.
https://x.com/ammaralihassan/status/1996601897663316043
الخلاصة: محاولة يائسة لتشويه "دستور الثورة"
أجمع المتحدثون على أن إثارة هذه القضية الآن ليست مجرد خطأ معلوماتي، بل هي جزء من حملة ممنهجة لتشويه "دستور 2012" الذي يعتبره كثيرون، رغم الملاحظات عليه، أفضل وثيقة دستورية في تاريخ مصر الحديث من حيث الحريات وتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية. ويرى هؤلاء أن النظام الحالي، الذي عدّل الدستور ليمدد فترات الحكم ويكرس هيمنة المؤسسة العسكرية، يسعى دائماً لشيطنة أي بديل ديمقراطي سابق، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بـ"شائعات هوليوودية" لا تصمد أمام أبسط عمليات التدقيق الزمني.

