في قلب منطقة بولاق الدكرور المكتظة بالفقراء، تحولت شقة سكنية متواضعة إلى مقبرة جماعية لأسرة كاملة.

 

5 جثامين: يوسف ونيس، صفاء ميخائيل، وثلاثة من أطفالهم، ماريلا ويوسف وجورج، لم يقتلهم حادث عرضي، بل قتلهم الإهمال الممنهج لدولة لا ترى في مواطنيها إلا أرقاماً في سجلات الوفيات.

 

سواء كان سبب الموت انهيار سقف متهالك أو تسرب غاز من أنبوبة بوتاجاز، فإن النتيجة واحدة: موت رخيص لأسر مصرية، أصبح فيه سقف البيت تهديداً وجودياً لا يقل خطورة عن غياب لقمة العيش.

 

روايتان لموت واحد.. والإهمال هو القاتل

 

تضاربت الروايات الأولية بشكل فاضح. تقارير تتحدث عن سقوط سقف الشقة على رؤوس ساكنيها، وأخرى تشير إلى تسرب غاز من أسطوانة بوتاجاز.

هذا التضارب في حد ذاته هو إدانة؛ فهو يكشف عن حالة الفوضى واللامبالاة التي تُدار بها الأزمات في مصر. لكن القاتل الحقيقي يظل واحداً في كلتا الحالتين: الفقر والإهمال الحكومي.

 

إذا كان السقف قد انهار، فهي جريمة دولة تترك ملايين المصريين يسكنون في عقارات آيلة للسقوط، دون رقابة أو صيانة، بينما تُنفق المليارات على أبراج العاصمة الإدارية.

وإذا كان السبب تسرب غاز، فهي جريمة دولة تترك مواطنيها يتعاملون مع أنابيب بوتاجاز بدائية تشكل قنابل موقوتة داخل بيوتهم، بينما تتغنى بمشاريع "التحول الرقمي". في كل الأحوال، أسرة يوسف ونيس هي ضحية مباشرة لغياب الدولة عن حياة الفقراء.

 

بولاق الدكرور.. حزام بؤس يطوق العاصمة

 

لم تقع المأساة في منتجع فاخر، بل في بولاق الدكرور، إحدى أكبر بؤر العشوائية والفقر في الجيزة. منطقة تمثل نموذجاً صارخاً لسياسات النظام: أحزمة بؤس تحيط بمشاريع الأغنياء الدعائية.

 

في هذه المناطق، يعيش الملايين في بيوت متهالكة، بشوارع ضيقة، وبنية تحتية منهارة. لا توجد رقابة حقيقية على سلامة المباني، ولا حملات توعية للتعامل مع مخاطر الغاز أو الكهرباء.

 

الدولة لا تظهر في هذه المناطق إلا لجباية الفواتير أو لتنفيذ حملات أمنية. أما حياة الناس وسلامتهم، فهي آخر ما يعنيها.

 

موت مجاني في وطن الأغنياء فقط

 

في "الجمهورية الجديدة"، يبدو أن الموت أصبح مجانياً للفقراء. يموتون تحت أنقاض بيوتهم، أو في حوادث طرق على "محاور" النظام الجديدة، أو غرقاً في مياه الصرف الصحي، أو حرقاً في قطارات متهالكة. كل هذه المآسي لا تُقابل إلا ببيانات أمنية باردة، ومحاضر نيابة تُقيد ضد مجهول، وصمت حكومي مريب.

 

إن موت أسرة كاملة في بولاق الدكرور ليس مجرد خبر في صفحة الحوادث، بل هو صرخة مدوية في وجه نظام بنى عاصمة للأغنياء وترك الفقراء يموتون في عشوائياتهم. إن دماء يوسف وصفاء وأطفالهم الثلاثة هي شاهد إثبات على أن هذا الوطن لم يعد آمناً لأبنائه، وأن سقف البيت الذي كان يوماً رمزاً للأمان، قد تحول في ظل الانقلاب إلى شاهد قبر.