في خطوة أثارت استياء واسعًا بين أهالي السويس والمختصين بالتراث، تم هدم "بيت بطرس كساب" — أحد أقدم المنازل التاريخية بالمدينة والذي يعود تاريخه إلى عصر محمد علي باشا، ومرت عليه أكثر من 200 عام.

قرار الهدم أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، لما يمثله هذا المبنى من قيمة معمارية وتاريخية، الأمر الذي يكشف هشاشة سياسات حماية التراث في المدن المصرية القديمة.


 

 

التفاصيل والوجه القانوني

وفق مصدر بهيئة الآثار، فإنه صدر القرار بناءً على حكم قضائي نهائي لصالح شركة القناة للتوكيلات الملاحية المالكة للمبنى.

الإزالة تمت بعد إخطار جهات الأمر، وتأكيد أن المنزل غير مسجل ضمن آثار الدولة والعملية جرت بطريقة "قانونية".

كما نشرت تقارير صحفية أن المحيطين بالمبنى – مثل حي السويس والشركة المالكة – نفذوا قرار الهدم بعد تقارير تتحدث عن تصدعات خطرة في بناية عمرها يزيد عن قرنين.

 

غضب حقوقي

ولم يغضب خبراء الاثار من هدم المنزل بل شاط غضبهم حيث أن اللوحة الرخامية التاريخية التي تزين واجهة البيت سقطت تحت الأنقاض لم تُحفظ أو يُنقل إليها، رغم قيمتها الكبيرة.

واتسمت ردود فعل الأهالي بـ"الاستياء الشديد"، حيث شعروا بأن ذاكرة المدينة تُمسخ بلا تعويض، وطالبوا بسرعة حماية المباني الأثرية المتبقية.

كما أن حالة الهلع التي عمّت صفوف النشطاء والمثقفين، معتبرين أن البيت يُعد شاهداً حياً على أمجاد تاريخ السويس، وكيف أن هدمه بات نمطاً متكرراً من الإهمال.

 

شهادات الخبراء والمخاطر التاريخية

الصحفي جمال عبد القادر قال  " هدم بيت بطرس كساب بميناء الخور بالسويس، كان مقرا لجمع الضرائب على التجارة بين مصر والهند، كما أقام فيه احمد عرابي بعد عودته من المنفى تم بناؤه في عهد محمد علي على أنقاض المنزل الذي أقام فيه نابليون بونابرت صمد أمام العدوان الثلاثي وحرب يونيو ولكنه سقط أمام تتار العصر أعداء التاريخ والتراث  خطة هدم تاريخ أمة تسير بنحاح ..التتار مروا من هنا".

https://www.facebook.com/gamal.akader1/posts/24402764176019528?ref=embed_post

الباحث أنور فتح الباب أوضح أن البيت كان شاهداً على فترات مهمة: دورة نابليون عبر المنطقة، ورجوع أحمد عرابي من المنفى، وكان يتميز بطراز معماري أوروبي مع نوافذ عالية وزخارف نباتية. أكد أن الهدم تم دون إشراف أو تدخل من وزارة الآثار أو المختصين.

أما الدكتور مصطفى بركات (باحث في الآثار الإسلامية)، فشدد على أن اللوحة الرخامية المنهارة كانت تمثل قيمة لا تُقدر بمال، وأن ضياعها يعني فقدان جزء كبير من هوية المكان.

 

السياق التاريخي والمعماري

حسب باب مصر، شيد البيت بمنهجه الحالي في 1886 على الطراز الأوروبي الإيطالي، مخالفاً الطرز المعمارية المحلية، ما يجعله فريداً في قيمته العمرانية.

ذُكر في مصادر متعددة أن المنزل صمد أمام القصف خلال حروبي 1967 و1973، ما زاد من قيمته كرمز لصمود المدينة عبر تحولات الزمن.

 

تحليل نقدي

الإهمال الرسمي: رغم القيمة التاريخية الكبيرة، لم يُدرج البيت ضمن اللجان المتخصصة في الترميم أو الحفاظ—على عكس مدن أخرى كالأسكندرية أو القاهرة.

غياب ضمانات قانونية للتراث: النقل القانوني للملكيات لا يتقاطع دائماً مع حماية التراث باسم الدولة، مما يفتح الباب لمشاكل مستقبلية.

نكسة ثقافية وأخلاقية: انتشار صمت رسمي وأهلي حول هدم بيت كساب يكشف هشاشة قيمة التاريخ في السياسات المحلية، وقدرة الاستثمار العمراني القصير النفَس على طمس الذاكرة.

دعوة للصحوة: ما حدث يجب أن يكون ناقوس إنذار لتفعيل قوانين حماية المباني التاريخية، وتفعيل مشاركات فعلية للمجتمع المدني في ضوئها.

هدم “بيت بطرس كساب” لم يكن مجرد إزالة جدران قديمة؛ بل كان إزالة لجزء من روح السويس، وتحييدًا لجزء من خريطة وجدان مصر التاريخية. القضية تذكير صارخ أننا نخسر بسرعة أكثر مما نحافظ، وأن الأدلة المادية لتراثنا صارت هدفًا سهلاً في غياب إرادة حقيقية للحماية. ما لم تعود الآثار على الطاولة الوطنية كأولوية، سيظل التاريخ يتهاوى إلى ركام نرفض تذكره، حتى نصحح المسار.