لا تزال تصريحات الخبير الاقتصادي محمود محيي الدين، المدير التنفيذي السابق بالبنك الدولي وأحد أبرز وجوه صندوق النقد الدولي، تثير نقاشًا واسعًا في مصر.
فمحيي الدين دعا مؤخرًا إلى الاستغناء عن "التبعية الدائمة" للصندوق والبحث عن بدائل داخلية جادة تعيد الاقتصاد لمساره الصحيح.
لكن هذه الدعوة، التي بدت للبعض اعترافًا متأخرًا بخطورة الاعتماد على القروض، أثارت سيلاً من الجدل، خصوصًا مع توجيه اتهامات له بالنفاق السياسي وتغيير المواقف تبعًا للظروف.
تصريحات محيي الدين: جرس إنذار أم تنصل؟
قال محيي الدين في لقاء صحفي إن التوسع المفرط في الاعتماد على صندوق النقد يضعف الثقة في قدرة مصر على الإصلاح الذاتي، محذرًا من أن هذا النهج يجعل الاقتصاد المصري مرهونًا بسياسات خارجية لا تراعي خصوصية المجتمع.
رغم أنه لم يوجه اتهامات مباشرة للحكومة، إلا أن حديثه عُدّ بمثابة إدانة ضمنية لفشل سياسات السيسي الاقتصادية: من المشروعات العملاقة غير ذات الأولوية إلى موجات التضخم الخانقة.
هجوم ممدوح حمزة: "لا تهاجم شجرة السم"
الهجوم الأبرز جاء من المهندس والناشط السياسي ممدوح حمزة، الذي كتب على صفحته: "لا تهاجم شجرة السم التي زرعتَ بذرتها، وجنيتَ أجرك نظير عملك من البنك الدولي، وعندما استغنوا عنك تغيّر جلدك."
كلمات حمزة لاقت صدى واسعًا، إذ اعتبرها كثيرون تلخيصًا لازدواجية الخطاب لدى محيي الدين.
فكيف يمكن لرجل كان شريكًا في صياغة سياسات الإقراض والتبعية أن يتنصل اليوم ويقدم نفسه كصوت إصلاحي؟ بالنسبة لحمزة، محيي الدين يحاول غسل يديه من تركة هو أحد مهندسيها.
ردود فعل الخبراء: أزمة مصداقية
بعض الخبراء الاقتصاديين رأوا في كلام محيي الدين إقرارًا متأخرًا بحقيقة يعرفها الجميع: الاعتماد على الصندوق لم يحل الأزمات بل زادها عمقًا.
الدكتور أحمد السيد النجار أكد أن كل قرض جديد يعني "مزيدًا من التنازلات السيادية وتدهور الجنيه".
بينما دعا آخرون إلى بدائل حقيقية، مثل إصلاح النظام الضريبي، وقف نزيف المشروعات الفاشلة، وتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات منتجة.
لكن الإشكالية الكبرى – وفق خبراء – أن من يطلق هذه الدعوات اليوم كانوا جزءًا من المنظومة التي كرست التبعية، ما يجعل مصداقيتهم موضع شك.
الشارع المصري: غضب يتسع
في الوقت نفسه، يواجه المواطن المصري تضخمًا غير مسبوق، وانهيارًا في قيمة الجنيه، وارتفاعًا جنونيًا في الأسعار.
بالنسبة للرأي العام، تصريحات محيي الدين لم تكن سوى تذكير مؤلم بأن الأزمة أكبر من الحكومة الحالية، وأن المسؤولية تشمل كل من ساهموا في صناعة السياسات الاقتصادية على مدار عقود.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لاقى كلام حمزة ترحيبًا واسعًا، إذ رأى كثيرون أنه يعبّر عن "لسان حال المصريين" الذين لم يعودوا يحتملون ترف ازدواجية النخب.
السيسي وحكومته في مواجهة المأزق
بينما يتبادل محيي الدين وحمزة الاتهامات، يبقى الواقع على الأرض أكثر قسوة: حكومة السيسي مطالبة بسداد عشرات المليارات من الدولارات خلال العامين المقبلين، في وقت تراجعت فيه موارد الدولة وتفاقمت أزمة الاستدانة.
الخبراء يحذرون من أن استمرار هذا النهج سيقود إلى "سيناريو إفلاس غير معلن"، بينما الشارع يرى أن فشل النظام في تأمين حياة كريمة هو المسؤول الأول عن هذا الانهيار.
الجدل بين محمود محيي الدين وممدوح حمزة ليس مجرد سجال شخصي، بل انعكاس لأزمة أعمق: أزمة نخبة اقتصادية وسياسية كانت شريكة في صناعة الكارثة وتحاول اليوم تبرئة نفسها.
وبينما يغرق المصريون في الغلاء والديون، يظل السؤال الأهم: هل يمكن لنظام عبد الفتاح السيسي أن يستمر في تجاهل الأصوات المحذرة، أم أن الغضب الشعبي سيفرض لحظة مواجهة حاسمة؟