في تعليق لافت، شدد الكاتب الصحفي أنور الهواري على استحالة تطوير الإعلام في ظل الوضع الراهن، قائلاً: "لن ثم لن ثم لن يحدث تطوير في الإعلام إلى آفاق أكثر مهنية ومصداقية وحرية وجاذبية لدى الجمهور إلا إذا تَخَفَّفَت القبضة السياسية الحديدية التي تُحكَم بها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات"، قبل أن يختتم تدوينته بمثل شعبي لاذع: "ودنك من فين يا جُحا؟!" في إشارة إلى أن الطريق إلى إصلاح الإعلام واضح، لكن السلطة تتعمد تجاهله لصالح استمرار السيطرة المطلقة.

هذا التصريح لا يأتي في فراغ؛ بل يعكس عمق التسييس العسكي للإعلام المصري، حيث تعيق الأجهزة الأمنية والنظام هيمنتها على المحتوى الإعلامي لكل محاولة للنهوض الإعلامي.
وما يمثله هذا الكلام من جرأة تجب قراءته كتحذير، في بلد تتكتم فيه السلطة على كل مقال وكل كلمة.
https://www.facebook.com/anwar.elhawary.3/posts/3293187677498080?ref=embed_post
 

لا يوجد إعلام محايد
و تعليقا على تدوينة الهواري قال الصحفي أحمد فتحي إن الإعلام وُجد في الأصل ليكون عين الناس على الحقيقة، ينقل الوقائع كما هي، يكشف الفساد ويراقب السلطة.
وأشار إلى أنه في الديمقراطيات الكلاسيكية مثل أوروبا وأمريكا هناك تصور بأن الإعلام هو "السلطة الرابعة" بجانب التشريعية والتنفيذية والقضائية، أي أن الإعلام "مفروض" يخدم الحقيقة والناس وليس الدولة، وهذا هو الإعلام المثالي.

وأردف لكن في الحقيقة، الإعلام يحتاج إلى تمويل ومن يدفع يتحكم في محتواه، وفي الدول الاستبدادية يكون الإعلام مملوكًا أو مسيطرًا عليه من الدولة فيخدم سياسة النظام.
وتابع أما في الدول الديمقراطية فتملكه شركات كبرى أو مليارديرات فيخدم مصالح اقتصادية أو إعلانية، وأحيانًا يلبسها لبس "الرأي العام".
ولفت أنه لا يوجد إعلام محايد بنسبة 100%، لكن توجد درجات من الحرية والمهنية، والواقع أن الإعلام دائمًا مرتبط بسلطة أو مصلحة، وبالتالي لا يمكن أن يكون "حر تمامًا".

وأوضح الهواري أن أفضل ما يمكن الوصول إليه هو إعلام متنوع يسمح للجمهور برؤية أكثر من وجهة نظر وتكوين رأيه بنفسه.
 

تصعيد القبضة الأمنية على الإعلام المصري

  1. السيسي يُقبر الإعلام الحر بدستور إستبدادي
    منذ الانقلاب في 2013 وحتى اليوم، غدت مصر أحد أكبر الدول قمعًا للصحافة. حسب منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF)، اعتُقل ما لا يقل عن 170 صحفيًا مسجلون بنقابة الصحافة بخلاف المئات من الغير مسجلين، فيما أغلِقت مئات المواقع الإخبارية، وتنوعت أدوات القمع بين التشريعات القمعية والاعتقالات التعسفية
     
  2. قانون الإعلام المكبل: رقابة مفروضة رسميًا
    عام 2018، أُقرّت قوانين تنص على تأسيس "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، الذي يهيمن عليه النظام ويخضع للإعلام لعقوبات ومزاج السلطة دون شفافية، بما في ذلك إلغاء تراخيص فورية .ناهيك عن قانون مكافحة الإرهاب وقانون الإنترنت، اللذين يمنعان أي مظهر إعلامي مستقل، ويعاقبان بحرية الضيق والتعددية .
     
  3. تملك الأجهزة الأمنية للإعلام: من يُسيّر هذا المشهد؟
    الهيمنة الأمنية ليست قانونًا فقط، بل واقعًا عمليًا. تقارير "مراسلون بلا حدود" أكّدت أن أكثر من 50% من وسائل الإعلام تحت السيطرة المباشرة للسلطة والمخابرات والأجهزة الأمنية. أمثلة: Egyptian Media Group وFalcon Group وغيرها، التي استحوذت على قنوات ومؤسسات إعلامية كبرى .
     
  4. مواقع إلكترونية مستقلة تحت حصار الدولة
    حتى الإعلام الرقمي جعلوه هدفًا. موقع "مدى مصر" كمثال، تعرض للحظر والسجن، وقيود الوصول التي وضعتها الدولة حالوا دون وصوله للمواطنين .
    أما "المواقع المستقلة" والمبادرات الصحفية، فعليها أن تتوقع الملاحقة الإلكترونية والقانونية، من حجب وتعطيل وحتى تهم زائفة بالمخالفة القانونية.

 

تحليل الهواري في ضوء المشهد القمعي
تصريح أنور الهواري لا يعبر عن تشاؤم فقط، بل عن حقيقة مُرّة: الإعلام المصري مصاب بفشل من ظن أن المهنية يمكن أن تجتاز سياج الدولة الأمنية.
عشر سنوات من القمع خنقته، وخلالها دمّر متون الحريات، وشوّه الإعلام ليصبح بوقًا متحكمًا به من الأعلى. وهنا تحدث الهواري عن "الأفق"، والذي هو فعليًا طريق نحو الاستعراف الذاتي للمهنة، بعيدًا عن خنق القبضة.

حتى لو أراد الإعلاميون التقدّم، يجدون أن السلطة أغلقت كل المسالك – بترخيص، وسيطرة سوقية، وضغوط أمنية وقضائية.
لا سبيل للتطوير إلا بكسر قبضة الدولة، أو بأقل تقدير، السماح لأُطر الإعلام المهنيّة المرتكزة على الحرية والتعددية باستعادة مواقعها.