"لا تشبه المصريين".. بهذه العبارة الصادمة عبّرت إحدى الأجنبيات المقيمات في القاهرة عن دهشتها من الإعلانات المنتشرة على الطرق والمحاور الرئيسية، التي تروّج للمجمعات السكنية الفاخرة. هذه الإعلانات، التي تسيطر عليها وجوه أوروبية الطابع ومشاهد لأسلوب حياة غربي بحت، باتت تثير تساؤلات عميقة: أين اختفت ملامح الهوية المصرية؟ ولماذا يبدو المشهد وكأنه ينتمي لبلد آخر؟
https://x.com/i/status/1961737505885045144
وجوه لا تعكس الواقع
تلفت إعلانات الكومباوندات في مصر الأنظار بشخصياتها ذات الملامح الأوروبية ولون البشرة الفاتح، وهو ما يخلق فجوة بين الواقع والحملة التسويقية.
فبينما يعيش غالبية المصريين في مدن مزدحمة وأحياء متوسطة أو فقيرة، تروّج هذه الحملات لصورة مصطنعة توحي بأن نمط الحياة الغربي هو المثالي والوحيد الجدير بالتسويق.
الأجنبية التي أثارت النقاش قالت في تعليق عبر منصات التواصل: "ظننت في البداية أنني في دولة أوروبية، الإعلانات لا تشبه المصريين ولا تعكس ثقافتهم أو ملامحهم الحقيقية".
هذا التصريح وجد صدى كبيرًا بين رواد السوشيال ميديا، الذين اعتبروا أن الرسائل الإعلانية باتت تنفصل عن واقع المجتمع المصري وثقافته العريقة.
فكتب رماح "هذه ترجع لمسؤولية الدولة لتضع شروط واضحة وصريحة لمنع مثل هذه التجاوزات".
https://x.com/t9vpn/status/1961740052465090601
وتهكمت سارة "متخلفين وعندهم عقد نقص بعيد عنك".
https://x.com/deever_sarah/status/1961742869263163890
وأشار رجب حسين "اقسم بالله اول حاجة جت في بالي دلوقتي مفيش لوحة تشوفها عن اعلان منتجات او اكلات او اي حاجة غير المدن والشواطيء وكله بالانجليزي".
https://x.com/Ali19215977/status/1961742537741210071
وقالت وهج "العرب نسلخوا من اصلهم وعروبتهم ولبسلهم ولغتهم وصاروا شبه اجانب ولكن مهما كان ابيض يبقى في عيون الأجانب اسمر واسود.الا مارحم ربي نسبة قليله اللي محتفظ بالعروبه."
https://x.com/Gala488Gmail/status/1961742298905235562
غياب الهوية لصالح "الصورة المستوردة"
لم تعد المسألة مجرد تسويق لمشروع عقاري، بل تحولت إلى إشكالية ثقافية واجتماعية. اختيار الوجوه الأوروبية والديكورات المستوحاة من الغرب في الإعلانات يطرح تساؤلات حول ما إذا كان المطورون العقاريون يتعمدون تصدير صورة النخبة المنعزلة التي تعيش بعيدًا عن المجتمع المحلي.
الدكتورة هالة السعيد، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، ترى أن الأمر يتجاوز الجانب الجمالي ليصبح قضية هوية: "الإعلانات الحالية تعكس انفصالًا عن الواقع المصري، وتروّج لفكرة أن النجاح والرفاهية لا يتحققان إلا بالتخلي عن الثقافة المحلية وتبني النمط الغربي".
تكريس الفوارق الطبقية
إعلانات الكومباوندات لا تكتفي بإقصاء الهوية المصرية، بل تعمّق الفجوة الاجتماعية، إذ تُظهر مشاهد الحياة الفاخرة داخل مجتمعات مغلقة بعيدًا عن الزحام والفقر الذي يعيشه الملايين. هذه الصورة النخبوية تغذي شعور الطبقات المتوسطة والدنيا بالتهميش، وتجعل التمايز الطبقي جزءًا من الخطاب التسويقي.
الناشط الاجتماعي أحمد شوقي علّق على الظاهرة قائلاً: "بدلًا من إبراز الجمال الحقيقي في مصر وتاريخها وثقافتها، تروّج هذه الحملات لعزلة اجتماعية، وكأن مصر ليست لأبنائها بل للأجانب أو القلة الثرية فقط".
أين اللمسة المصرية؟
في الماضي، كانت الإعلانات المصرية تحرص على إبراز روح البلد: الوجوه المألوفة، النيل، التراث، وحتى العادات اليومية البسيطة. أما اليوم، فقد حلّت محلها صور مسبقة الصنع مستوردة من كتالوجات أجنبية، في مسعى لجذب شريحة محدودة من العملاء الباحثين عن "الحلم الغربي".
ويرى خبراء أن هذا التوجه يفقد الإعلانات عنصر المصداقية، لأن المستهلك المصري العادي لا يجد نفسه في هذه الصور، بل يراها انعكاسًا لطبقية صارخة واغتراب ثقافي.
وفي النهاية فظاهرة الإعلانات التي "لا تشبه المصريين" ليست مجرد قضية دعائية، بل مرآة لخلل أكبر في مفهوم الهوية والانتماء في السوق العقاري المصري. وبينما يلهث المطورون وراء صورة غربية مصطنعة، تظل الهوية المحلية غائبة، بل مهمّشة، في بلد يمتلك واحدًا من أعرق التراثات الثقافية في العالم. والسؤال الذي يفرض نفسه: متى يدرك صناع العقار أن التسويق الحقيقي يبدأ من الواقع، لا من الصور المستوردة؟