أثار المستشار وليد شرابي، المعارض المصري، جدلًا واسعًا بعد تغريدة لاذعة قال فيها: "النظام في جولة شحاتة مكوكية بدأت في السعودية وبالأمس الإمارات واليوم قطر… نظام ميت إكلينيكيًا لكنه على أجهزة تنفس صناعي خليجية".
https://x.com/waleedsharaby/status/1961154573432692773

هذه الكلمات لم تكن مجرد توصيف ساخر، بل تعكس واقعًا اقتصاديًا مأزومًا يعيشه النظام المصري في ظل أزمات الديون، وانهيار العملة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، ما يدفعه للبحث عن طوق نجاة في العواصم الخليجية.
 

زيارة الخليج… إنقاذ اقتصادي أم استمرار التبعية؟
الجولة التي أشار إليها شرابي لم تكن الأولى من نوعها؛ فمنذ سنوات، يعتمد النظام المصري على دعم مالي خليجي مباشر عبر الودائع والقروض والاستثمارات المشروطة.
لكن ما يميز الجولة الأخيرة أنها تأتي في ظل أزمة غير مسبوقة:

احتياطي نقدي هش: رغم التصريحات الرسمية، تشير تقارير اقتصادية إلى أن جزءًا كبيرًا من الاحتياطي مكوَّن من ودائع خليجية قابلة للاسترداد.

ديون خارجية قياسية: تجاوزت حاجز 165 مليار دولار، وفق بيانات المؤسسات المالية الدولية، ما يضع الاقتصاد في دوامة خدمة الدين وفوائد باهظة.

تراجع الجنيه: فقد الجنيه أكثر من 70% من قيمته في أقل من عامين، مع توقعات بتعويم جديد يفاقم التضخم.

الجولة الخليجية جاءت لتأمين مساعدات عاجلة قبل دخول مصر في مفاوضات نهائية مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط إصلاحات قاسية قد تثير غضبًا شعبيًا واسعًا.
 

لماذا الخليج؟ ولماذا الآن؟
الرهان على الدعم الخليجي لم يعد مجرد خيار، بل صار ضرورة حتمية في ظل غياب بدائل حقيقية.
إلا أن الدول الخليجية لم تعد تمنح المساعدات بنفس السخاء الذي كان عليه الحال بعد 2013، بل أصبحت تربط أي دعم بمشاريع استثمارية مضمونة الأرباح، أو ببيع أصول مصرية استراتيجية.

النتيجة:

  • بيع أصول الدولة: تمت خصخصة شركات وموانئ وأراضٍ لصالح كيانات خليجية.
  • شروط سيادية: الحديث عن تنازلات اقتصادية كبيرة مقابل بضعة مليارات من الدولارات لإنقاذ الموازنة.

خبراء الاقتصاد يرون أن استمرار هذا النهج يعني مزيدًا من التبعية الاقتصادية والسياسية، وتحويل مصر من دولة ذات قرار مستقل إلى دولة خاضعة لمعادلات التمويل الخليجي.
 

نظام "ميت إكلينيكيًا"… توصيف أم حقيقة؟
تشبيه وليد شرابي للنظام بـ"الميت إكلينيكيًا" ليس من فراغ؛ فالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تؤكد أن البلاد تمر بأزمة خانقة:

  • التضخم القياسي: تجاوز 35% رسميًا، فيما يتحدث خبراء عن معدلات أكبر في الأسواق.
  • هروب الاستثمارات الأجنبية: ما يعرف بـ"الأموال الساخنة" خرجت بمليارات الدولارات عقب خفض الفائدة.
  • ارتفاع معدلات الفقر: وفق تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يعيش نحو 30% من المصريين تحت خط الفقر.

في المقابل، يواصل النظام ضخ المليارات في مشروعات عملاقة غير ذات أولوية، مثل العاصمة الإدارية، بينما يعجز عن توفير الدولار لتوريد السلع الأساسية.
 

هل تنقذ أجهزة التنفس الخليجية مريضًا يحتضر؟
رغم تدفق المساعدات من السعودية والإمارات وقطر، تبقى الأزمة أعمق من مجرد نقص سيولة.
المشكلة تكمن في غياب رؤية اقتصادية طويلة المدى، واستمرار الاعتماد على القروض لتمويل العجز، دون أي إصلاح هيكلي حقيقي.

الخبراء يحذرون من أن التمويل الخليجي أشبه بمسكنات مؤقتة لمريض في حالة حرجة، بينما يظل الخطر الأكبر متمثلًا في رهن أصول الدولة للأجيال القادمة، وتحويل الاقتصاد المصري إلى رهينة للدائنين والمستثمرين الأجانب.

وفي النهاية فإن تغريدة وليد شرابي كانت بمثابة ناقوس خطر، تلخص المأساة في جملة واحدة: "النظام ميت إكلينيكيًا لكنه على أجهزة تنفس صناعي خليجية".
فهل يستفيق الشعب قبل فوات الأوان، أم يظل مستكينا تحت سطوة السيسي الذي ينتظر إنعاشًا خارجيًا ينتهي بابتلاع ما تبقى من مقدرات الدولة؟