في مفارقة صادمة للرأي العام، خرج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرًا بتصريحاته التي طالب فيها الحكومة بإعداد تصور عاجل لزيادة المساحات الخضراء في نطاق القاهرة الكبرى، مع التوجيه بسرعة التنفيذ.
لكن هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام، إذ فجّرت موجة من الانتقادات الحادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متهمة الحكومة بممارسة سياسة “التمويه الإعلامي” للتغطية على الجرائم البيئية التي ارتكبتها في حق العاصمة خلال السنوات الأخيرة.
تناقض فج: حديث عن الخضرة بعد المذابح البيئية
تصريحات مدبولي التي بدت “خضراء” في ظاهرها، اصطدمت بذاكرة المصريين القريبة التي لم تنسَ مشاهد الإعدامات الجماعية للأشجار وتجريف الحدائق التاريخية تحت مسمى التطوير. فقد شهدت القاهرة على مدار الأعوام الأخيرة واحدة من أكبر حملات الإزالة العشوائية للمساحات الخضراء لصالح مشروعات خرسانية، من بينها:
- تجريف أجزاء كبيرة من حديقة الفسطاط ضمن مشروع التطوير رغم قيمتها البيئية والتاريخية.
- اقتلاع أشجار حديقة الحيوانات بالجيزة، تمهيدًا لمشروع تجاري ضخم.
- إزالة مساحات واسعة من الحدائق في مصر الجديدة، بحجة توسعة الطرق وإنشاء كباري.
- اجتثاث الأشجار في شارع النزهة ومحيط المطار لصالح مشروعات مرورية مثيرة للجدل.
هذه الوقائع ليست مجرد أخطاء تنفيذية، بل سياسات ممنهجة أقرّتها الحكومة بقيادة مدبولي، ما يجعل تحميله المسؤولية أمرًا حتميًا أمام الرأي العام.
مدبولي أمام مرآة الفشل البيئي
خبراء البيئة اعتبروا تصريحات مدبولي الأخيرة محاولة يائسة لتلميع صورة الحكومة أمام موجة الانتقادات الدولية بشأن التغير المناخي، خاصة بعد انتقادات وجهت لمصر في مؤتمرات المناخ الأخيرة بسبب تراجع نصيب الفرد من المساحات الخضراء.
الدكتور حسين عبد القادر، خبير التخطيط البيئي، يرى أن “مدبولي يتحدث عن زيادة الخضرة بينما سياساته تقتل ما تبقى من الرئة الخضراء للقاهرة. هذا تناقض صارخ يكشف أن الملف يُدار بشكل عشوائي، دون استراتيجية واضحة”.
أما المهندسة منى عاطف، المتخصصة في التخطيط الحضري، فأكدت أن “الحكومة لا تملك أي آلية لتعويض الأشجار التي تم اقتلاعها. من السهل قطع الأشجار، لكن إعادة زراعة بدائل تحتاج سنوات طويلة، وهو ما لم نره يحدث فعليًا حتى الآن”.
الشارع المصري غاضب: “كفاية كذب”
ردود فعل المواطنين جاءت كاسحة ضد هذه التصريحات، حيث اعتبرها الكثيرون “مسرحية مكررة” لتجميل وجه حكومة فشلت في أبسط أولوياتها البيئية.
وتداول النشطاء مقاطع فيديو لعمليات تجريف الأشجار في القاهرة الجديدة ومصر الجديدة، مرفقة بتعليقات لاذعة مثل: “عايزين تزودوا الخضرة بعد ما خلّصتوا عليها؟!”
وقال آخر “مدبولي بيتكلم عن المساحات الخضراء بعد ما حوّل القاهرة لغابة أسمنتية!”
وأضاف عبد المؤمن " يقطعون الأشجار ثم يقولون نريد زيادة المساحة الخضراء!!!!".
https://x.com/abdelmonem34365/status/1960775028045431292
ولفتت علا " يقتلعون الأشجار ويحولون الحدائق في مناطق كانت هادئة وجميلة الى كتل اسمنتية بزعم عمل شبكة مواصلات كده.. ثم يزعمون انهم يسعون لزيادة المساحات الخضراء !".
https://x.com/OlaHass46636877/status/1960760039968309617
وأشار محمد " ياللا يا اوساخ بعد ماشيلتوا اشجار معمره علشان تبعتوها للصهاينه فحم بعد كولومبيا ما منعت عنهم الفحم".
https://x.com/mohamadaug73064/status/1960765991979249777
وتهكم هدهد " بعد ماقطعوا كل أشجار البلد التراثيه والثمينه وشوهوا مصر".
https://x.com/alhdhdalmsry72/status/1960833130983481354
الحقيقة المرة: أين المخصصات المالية؟
في الوقت الذي يتحدث فيه رئيس الوزراء عن زيادة المساحات الخضراء، يكشف الواقع أن المخصصات المالية في موازنة 2024/2025 لقطاع البيئة أقل من 1%، في حين يتم إنفاق المليارات على مشروعات الكباري والطرق التي كانت السبب المباشر في إزالة الحدائق.
خلاصة: سياسة “قص الشريط” تدمر البيئة
الخبراء والمواطنون متفقون على أن هذه التصريحات ليست سوى فقاعة إعلامية لامتصاص الغضب، بينما تستمر سياسة “قص الشريط” التي تدمر البيئة وتحول القاهرة إلى كتلة خرسانية خانقة.
والنتيجة: خسارة رئات العاصمة مقابل مشروعات تجارية لا تخدم المواطن بقدر ما تخدم مصالح الشركات والمقاولين المقربين من السلطة.