أثار التقرير الأخير الصادر عن المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، عاصفة من الجدل داخل الأوساط الحقوقية والسياسية، بعد أن كشف عن ممارسات ممنهجة لإبقاء المعتقلين السياسيين في السجون المصرية عبر ما يُعرف بـ"التدوير"، أي إعادة اتهام المعتقلين في قضايا جديدة فور انتهاء مدد حبسهم الاحتياطي.
التقرير وصف هذه الممارسات بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي"، ودعا السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين تعسفيًا وضمان المحاكمات العادلة.
لكن المفاجأة لم تكن في التقرير وحده، بل في ردة فعل الإعلام الموالي للنظام المصري، حيث شنّ الإعلامي المقرّب من السلطة، نشأت الديهي، هجومًا حادًا على فولكر تورك، واصفًا تصريحاته بـ"التدخل السافر في الشأن المصري" ومؤكدًا أن بلاده "تحترم الدستور والقانون".
ماذا قال تقرير فولكر تورك عن مصر؟
التقرير الأممي لم يأتِ بجديد من فراغ، بل استند إلى شهادات موثقة وتقارير حقوقية أكدت أن مئات المعتقلين السياسيين في مصر يتم تدويرهم بشكل متكرر على ذمة قضايا جديدة، رغم صدور قرارات إخلاء سبيلهم.
التقرير وصف هذه السياسة بأنها: "إجراء غير قانوني يهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة وإطالة أمد الاحتجاز التعسفي في مخالفة واضحة لالتزامات مصر الدولية".
كما أشار تورك إلى أن استمرار هذه الانتهاكات يقوّض أي حديث عن حوار وطني أو إصلاح سياسي، مطالبًا القاهرة بتحديد جدول زمني لإنهاء الحبس الاحتياطي المفتوح، والإفراج عن النشطاء والصحفيين المعتقلين.
نشأت الديهي يرد بغضب: "نحن دولة ذات سيادة"
لم تمر تصريحات تورك مرور الكرام في القاهرة، إذ خرج الإعلامي نشأت الديهي عبر برنامجه على إحدى القنوات الموالية للنظام، مهاجمًا التقرير بعبارات نارية، حيث قال:
"فولكر تورك يريد أن يعلّمنا حقوق الإنسان؟! نحن دولة ذات سيادة ولن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا الداخلية".
وأضاف الديهي في لهجة غاضبة: "المعتقلون في مصر يخضعون للقانون، وكل ما يُقال عن تدوير المعتقلين أكاذيب هدفها تشويه صورة الدولة المصرية".
لكن هذه التصريحات لم تنجح في إخفاء حالة الحرج التي يعيشها النظام بعد سلسلة التقارير الدولية التي تدينه، خاصة مع تزايد الانتقادات الغربية لاستمرار القمع السياسي في البلاد.
خبراء حقوقيون: النظام في مأزق.. والديهي يكرر خطاب الإنكار
الحقوقي جمال عيد علّق على هجوم الديهي قائلاً: "النظام المصري يتعامل مع التقارير الأممية كما لو كانت مؤامرة، بينما الحقيقة أنها توثيق لانتهاكات يعرفها كل مصري، وبدلاً من مهاجمة فولكر تورك، كان على النظام أن يوقف جريمة التدوير التي أصبحت فضيحة دولية".
وأضافت الباحثة الحقوقية هدى عبد الوهاب: "الهجوم على المقرر الأممي لن يلغي الحقيقة: هناك عشرات الآلاف في السجون بلا محاكمة عادلة، وبعضهم محتجز منذ 10 سنوات".
غضب شعبي يتصاعد: "أفرجوا عن ولادنا"
بالتزامن مع الجدل الإعلامي، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الغضب الشعبي تحت وسم #أفرجوا_عن_ولادنا، حيث شارك آلاف المصريين قصص ذويهم المعتقلين، مؤكدين أنهم ضحايا التدوير والقضايا الملفقة.
فقالت سوسو " نشأت الديهي أعظم نموذج معبر عن المرحلة اللي عايشينها نظام خالتي فرنسا و المواطنين الشرفاء خلتوها كلها بلطجة بدل المنطق والحجة والدليل".
https://x.com/SoSayd/status/1960651678392238265
وقال صاحب القلب النابض "دا رد عيل صغير ولا عيله صغيره لا يمكن دا يكون رد واحد مذيع علي درجه من الثقافه والوعي نشأت الوضيع".
https://x.com/pureheart421/status/1960616427062210833
وأوضح بهجت "نفس الاسلوب شرشحه وشتينع علي الهواء انت بتشتم مندوب الامم المتحدة. اه انت لا تعرف يعني ايه الامم المتحدة كمل؛!!!".
https://x.com/BahgJunior5/status/1960538609007698075
وقال مصطفى عثمان "اسوء شئ هذه الأيام التبجح في الدفاع عن الباطل ، كاتكم نيله مليتوا البلد ."
https://x.com/mfymn215428/status/1960515042979258539
وأضاف سيد "بالفعل فى مصر كل يوم يعتقل مجمةعة شباب بسبب كلمة حق بتتقال فى نظام الحكم".
https://x.com/sayeddragon86/status/1960593732597633429
وأوضح البرنس "البلد بتجيب البهايم اللي زي نهقت ده منين هو ده رد يا جماعه ايه قله الادب والسفاله دي اللي بيرد بالشتايم ده واحد سافل من الجمهور انما اعلامي في البلد يرد بشتايم ؟؟".
https://x.com/BrinceOne1/status/1960580064602386722
إحدى التغريدات التي لاقت انتشارًا واسعًا قالت: "نشأت الديهي يدافع عن الظلم.. بينما شبابنا بيموتوا في الزنازين".
آخر كتب: "التدوير مش أكذوبة يا ديهي.. ده حياة ناس بتتدمر كل يوم".
فضيحة دولية تتفاقم
بين تقرير أممي صارخ، وإنكار رسمي متواصل، تبدو مصر في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي بشأن ملف حقوق الإنسان.
وبينما يحاول النظام تحويل الأنظار بالحديث عن "السيادة" و"المؤامرات"، يظل الواقع مؤلمًا:
عشرات الآلاف خلف القضبان.. وقانون بلا قيمة أمام سيف السلطة.