تسير حكومة عبدالفتاح السيسي، على خطى "خطة ناعم غير معلنه رسميًا، تهدف إلى تقليص الوجود السوري في البلاد، عبر حزمة من الإجراءات التنظيمية التي توصف بأنها "طوعية في الظاهر، قسرية في الواقع".

وتكشف مصادر مطلعة أن هذه السياسة تُنفَّذ بتنسيق مع الحكومة السورية، وبإشراف مباشر من جهات سيادية، وتستهدف في مرحلتها الأولى خروج ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري من أصل 1.5 مليون يقيمون في مصر.

 

تنسيق مصري سوري.. وخفض تكاليف "الخروج الطوعي"

مصدر حكومي كشف أن القرار المصري الأخير بإعفاء السوريين المخالفين من غرامات الإقامة – والتي تصل إلى 1000 دولار للفرد – لم يكن خطوة إنسانية بحتة، بل جاء نتيجة اتفاق هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري أسعد الشيباني، ضمن توجه أوسع لتشجيع العودة إلى سوريا بعد "تحسن الأوضاع هناك"، حسب الرؤية الرسمية.

المصدر أشار إلى أن السفارة السورية في القاهرة استبقت هذا الإجراء بتخفيض رسوم إصدار وتجديد جوازات السفر، ما يُعد تهيئة للعودة، وتسهيلًا لباب الخروج لمن طال بقاؤه دون أوراق ثبوتية.

 

ضغط داخلي وغضب شعبي

ورغم أن اللاجئين السوريين حظوا، خلال السنوات الماضية، بترحيب شعبي ورسمي واسع، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وتكرار الحوادث الاجتماعية المرتبطة باللاجئين خلق حالة من التوتر الشعبي، غذّتها مخاوف أمنية متصاعدة، وأفضت إلى مراجعة داخلية شاملة لملف اللجوء السوري.

وتؤكد الجهات الرسمية – بحسب المصدر – أن الوضع الراهن يتطلب إعادة ضبط ديموغرافية الوافدين، خاصة في ظل توترات متفرقة بين لاجئين من جنسيات عربية ومصريين، ومخاوف من مؤيدين للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ما يمثل تهديداً أمنياً في نظر القاهرة.

 

تضييق ممنهج.. والتعليم أول الضحايا

وفي سياق متصل، قال مصدر مسؤول يتابع ملف اللاجئين السوريين في مصر إن الحكومة بدأت سياسة تضييق ممنهجة تشمل:

  • تعقيد إجراءات تجديد الإقامة لمن لا يمتلكون مشاريع استثمارية بقيمة لا تقل عن 35 ألف دولار.
  • فصل طلاب سوريين من الجامعات لعدم امتلاكهم تأشيرات دراسية، رغم قبولهم السابق وسدادهم للرسوم بالدولار.
  • فرض قيود أمنية على دخول البلاد، حتى لحاملي إقامات دول متقدمة كالولايات المتحدة وبريطانيا.
  • وقف إعفاءات رسوم الإقامة، وفرض غرامات مالية على الخدمات التعليمية والصحية.

وفي أغسطس 2024، ألغت السلطات تسجيل الأطفال السوريين في المدارس الحكومية، ما لم يحملوا بطاقة لاجئ من المفوضية، بشرط إقامة سارية للطفل ووالديه. كما فُرضت رسوم جديدة للإقامة الدراسية ارتفعت من 2100 إلى 7000 جنيه.

 

النموذج السوداني.. عودة "نصف مليون" في ثلاثة أشهر

وأكد مصدر حقوقي في مفوضية اللاجئين أن السياسة الحالية مستوحاة من "النموذج السوداني"، حيث طبّقت القاهرة إجراءات مشابهة بعد سقوط الخرطوم في يد الجيش، وأدت إلى عودة نصف مليون سوداني في غضون 3 أشهر. لكن الوضع السوري أكثر تعقيداً، نظرًا لتجذّر اللاجئين السوريين في مصر منذ أكثر من عقد، وامتلاكهم مشروعات خاصة وروابط مجتمعية قوية.

وأضاف المصدر أن نحو 22 ألف لاجئ سوري مسجل غادروا البلاد خلال 7 أشهر فقط، بينما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.2 مليون لاجئ غير مسجل ما زالوا في مصر.

 

الترحيل الناعم عبر البحر

من جهة أخرى، أعلنت هيئة موانئ البحر الأحمر عن تسيير 45 رحلة بحرية عبر ميناء نويبع بالتنسيق مع شركة "الجسر العربي"، لنقل اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا عبر الأردن.

ووفق شهادات بعضهم، فإن إجراءات المغادرة باتت أسهل من البقاء، في ظل تزايد التفتيش الأمني، ورفض تجديد الإقامات، وتضييق فرص العمل والتعليم.

 

مفوضية مثقلة.. ولا حلول سريعة

على الأرض، تسود حالة من القلق وسط الأسر السورية، التي تسعى لتسوية أوضاعها القانونية، أو تسجيل نفسها مجددًا لدى مفوضية اللاجئين، لكنها تصطدم بإجراءات بيروقراطية معقدة، ونقص في الموارد البشرية، إذ جرى تقليص مكاتب المفوضية ومراجعاتها لتتم فقط في مقر وحيد بمدينة 6 أكتوبر، حيث تستغرق كل مقابلة أسابيع من الانتظار.

ورغم إصرار حكومة عبدالفتاح السيسي على أن الإجراءات الحالية "تنظيمية ولا تمس الجوانب الإنسانية"، فإن الواقع يشير إلى عودة قسرية غير معلنة، تُمارس عبر أدوات إدارية وضغوط معيشية وأمنية تجعل البقاء خيارًا مؤلمًا.