عادت أزمة الغاز الطبيعي إلى الواجهة، بعد أن تباطأت الشركات الإسرائيلية في استكمال اتفاقات التوريد مع القاهرة، في خطوة وصفها مسؤولون مصريون بأنها "ابتزاز اقتصادي مباشر" يستهدف الضغط على مصر لرفع أسعار الغاز بنسبة تصل إلى 40%.
إمدادات متذبذبة وعودة جزئية للتشغيل
ورغم انفراجة محدودة في ضخ الغاز الإسرائيلي إلى الشبكة الوطنية للغاز في مصر، ليصل إلى 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهو ما سمح بإعادة تشغيل 70% من طاقة المصانع الكبرى، خصوصًا في قطاعات الأسمدة والبتروكيماويات ومواد البناء، فإن التوريد لا يزال بعيدًا عن المستوى المستهدف وفق الاتفاقات الثنائية.
وذكرت مصادر بهيئة البترول المصرية أن المفاوضات مع الشركات الإسرائيلية ما زالت تراوح مكانها، وسط مطالبات من تل أبيب برفع الأسعار بنسب تتراوح بين 25% و40%، في مخالفة صريحة للعقود الموقعة والتي لا تسمح بمراجعة الأسعار إلا كل خمس سنوات.
ضغط خفي وتهديدات مبطّنة
الضغط الإسرائيلي لم يتوقف عند حدود الأسعار، إذ أشارت تقارير إلى تلقي مصر خطابًا رسميًا من الجانب الإسرائيلي يفيد بإمكانية تقليص الإمدادات من حقل "تمار" خلال أغسطس المقبل، بذريعة زيادة الاستهلاك المحلي الإسرائيلي أو الحاجة لصيانة خطوط الغاز، وهو ما اعتبرته مصادر مصرية تهديدًا مبطنًا يهدف إلى تعزيز موقف تل أبيب التفاوضي.
وفي هذا السياق، صرح مصدر بهيئة البترول أن السعر المتفق عليه حاليًا للغاز الإسرائيلي يبلغ ستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بينما يسعى الجانب الإسرائيلي إلى رفعه إلى ما بين 7.5 و9 دولارات، رغم توقيع اتفاقات جديدة في فبراير/شباط الماضي تنص على توريد إضافي بقيمة أربعة مليارات متر مكعب سنويًا، بدءًا من يوليو الحالي.
مخاوف من فجوة في الإمدادات وتداعياتها
تراجع الإنتاج المحلي المصري من الغاز الطبيعي ليصل إلى 3.7 مليارات قدم مكعبة يوميًا، بعد أن بلغ ذروته عام 2022 عند ستة مليارات قدم مكعبة، زاد من اعتماد القاهرة على الواردات الخارجية، في وقت يتزايد فيه الطلب المحلي، خصوصًا في فصل الصيف.
وأكدت مصادر بالشركة القابضة للغازات أن إسرائيل تراهن على حاجة مصر الطارئة للغاز لتلبية ذروة الاستهلاك الكهربائي، ومحاولة استغلال هذه اللحظة لفرض أسعار غير واقعية في السوق، رغم وجود اتفاق طويل الأمد ينص على التوريد بأسعار ثابتة مقابل 15 مليار دولار.
تكلفة باهظة واستراتيجية ممتدة
بالتوازي مع ذلك، دفعت أزمة الإمدادات حكومة عبدالفتاح السيسي، لاستيراد نحو 30 شحنة من الغاز المسال منذ يناير الماضي، ومن المتوقع أن يصل عدد الشحنات المستوردة إلى ما بين 40 و60 شحنة إضافية حتى نهاية عام 2025.
كما تناقش مصر حالياً اتفاقيات مع دول مثل قطر والسعودية والجزائر والولايات المتحدة لتأمين نحو 150 شحنة غاز مسال تغطي الاحتياجات حتى نهاية 2026.
وتُقدّر الحكومة أنها بحاجة إلى ما لا يقل عن 15 مليار دولار خلال عامي 2025-2026 لتأمين أمن الطاقة الوطني، وتغطية العجز المحلي الذي قد يؤدي إلى انقطاعات كهربائية أو توقف في القطاعات الصناعية الحيوية التي تساهم في تعزيز الصادرات وتوفير العملة الصعبة.