تشهد مدينة سمالوط بمحافظة المنيا أزمة خانقة في توافر البنزين منذ عدة أيام، بدأت في الأسبوع الأول من يوليو 2025، مما أدى إلى شلل شبه كامل في حركة وسائل النقل، وتكدس عشرات السيارات أمام محطات الوقود لساعات دون جدوى، ويأتي ذلك في ظل صمت تام من نواب البرلمان الأربعة الممثلين للمدينة، والذين يُتهمون بالتقاعس عن حماية مصالح المواطنين والانشغال بخدمة السلطة الانقلابية بقيادة عبد الفتاح السيسي.
أزمة متفاقمة منذ 4 يوليو
بدأت بوادر الأزمة يوم الجمعة 4 يوليو 2025، حيث أفاد شهود عيان ومواطنون أن البنزين من نوع 92 و95 قد اختفى تدريجياً من المحطات، تلاه نقص شديد في بنزين 80 الأكثر استخداماً بين سائقي التاكسي والنقل الجماعي.
وحتى يوم الجمعة 11 يوليو، لم يتم توفير أي شحنة جديدة تغطي احتياجات المواطنين، مما تسبب في ارتفاع أجرة المواصلات بنسبة تصل إلى 60%، وازدهار السوق السوداء التي باتت تبيع لتر البنزين بـ40 جنيهاً، بدلاً من السعر الرسمي البالغ 10.25 جنيه.
صمت 4 نواب في برلمان الانقلاب
المثير للدهشة أن مركز سمالوط، رغم أهميته الاستراتيجية، يمثله 4 نواب في مجلس نواب السيسي، هم: عاطف ناصر، وأحمد عبد الجواد، وعبد الفتاح فتحي، ومصطفى محمود، وجميعهم من الداعمين المخلصين للسلطة العسكرية، إلا أن أياً منهم لم يصدر بياناً رسمياً أو يتحرك ميدانياً لحل الأزمة أو الضغط على الحكومة لتوفير الوقود، مما فجر موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل الشارع السمالوطي.
نوابنا صوتهم للسلطة فقط
يقول المواطن سيد عبد العظيم، سائق تاكسي يبلغ من العمر 42 عاماً: "بقالي 3 أيام نايم في العربية أمام المحطة ومفيش لتر بنزين واحد. نوابنا مش شايفين غير مكاتبهم، ولا بيحسوا بالناس الغلابة اللي بتاكل من العربية دي".
وتضيف صفاء محمد، معلمة من المدينة: "إحنا نازلين شغلنا بالأقدام لأن مفيش مواصلات، ومفيش رد من أي مسؤول، كأننا في عزلة".
وزارة التموين بحكومة السيسي اكتفت، كعادتها، بإصدار تصريحات مبهمة، حيث صرّح مسؤول بالمديرية العامة للتموين في المنيا -رفض ذكر اسمه- أن "هناك تأخر في جدول الإمدادات من شركة مصر للبترول لأسباب لوجستية"، ولم يحدد مدة استمرار الأزمة أو الخطة البديلة لتوزيع الوقود.
من جهته، أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور هشام أحمد هذه الأزمة إلى "ضعف منظومة التوزيع، وغياب الرقابة الجادة، واعتماد النظام على الحلول الأمنية بدلاً من الكفاءة الإدارية".
وأضاف في تصريح لموقع مستقل أن "العجز المتكرر في المحروقات في المحافظات يؤشر على انهيار غير معلن في إدارة قطاع الطاقة المحلي".
أزمات مماثلة في محافظات أخرى.. والنظام ينكر
ليست سمالوط وحدها التي تعاني، فخلال الشهر الماضي، سُجلت شكاوى مماثلة في أبوتيج بأسيوط، وديروط، وبلطيم بكفر الشيخ، مما يدل على أزمة وقود أوسع نطاقاً يجري التعتيم عليها إعلامياً بأوامر أمنية، إلا أن وزارة البترول لا تزال تنكر وجود أي مشكلة، بل ادعت في بيانها الأخير يوم 8 يوليو أن "الوقود متوفر بكافة أنواعه، ولا يوجد نقص سوى في حالات فردية ناتجة عن زيادة الطلب مؤقتاً".
سياسات السيسي وغياب المحاسبة
يرى مراقبون أن هذه الأزمة تكشف مرة أخرى فشل السياسات الاقتصادية لنظام السيسي، القائم على التوسع في المشاريع الاستعراضية عديمة العائد مثل "العاصمة الإدارية" و"القطار الكهربائي السريع"، مقابل إهمال القطاعات الأساسية مثل الطاقة والتموين.
وفي هذا السياق، يقول السياسي المعارض د. أيمن نور: "حين تتوقف عربات الناس عن العمل، فهذا يعني أن النظام متوقف عن الحياة.. سمالوط اليوم نموذج حي لنتائج حكم الفرد وغياب الرقابة البرلمانية الحقيقية".
يتهم بعض النشطاء المحليين مسؤولي المحليات بالتواطؤ في توجيه شحنات الوقود لمحطات بعينها مملوكة لمقربين من الأجهزة الأمنية، في حين تُترك محطات سمالوط الكبرى بلا إمداد.
ويشير الناشط أحمد السمالوطي إلى أن "الفساد داخل مديرية التموين بالمنيا وصل حداً لا يُحتمل، والحكومة تغض الطرف لأن الكل مستفيد من الأزمة".
الانهيار قادم من الأطراف
تكشف أزمة البنزين في سمالوط عن هشاشة المنظومة الحكومية في مصر تحت سلطة السيسي، حيث تتراكم الأزمات في المحافظات البعيدة عن العاصمة دون أدنى تدخل فعال، بينما يُترك المواطن يعاني وحده في طوابير البنزين والغضب، ووسط غياب الشفافية، وتواطؤ البرلمان، وتجاهل الإعلام الموجه، يبقى الشعب المصري وحده في مواجهة عواقب نظام يقدّم الدعاية على حساب الحياة اليومية.