تشهد مصر في صيف 2025 جولة جديدة من انتخابات مجلس الشيوخ وسط أجواء سياسية مشحونة وتراجع ملحوظ في الحريات السياسية، تأتي هذه الانتخابات في ظل استمرار سيطرة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وحكومته الانقلابية على المشهد السياسي، وهو ما انعكس بوضوح في استبعاد عدد من المرشحين، خاصة من المعارضة، لأسباب وصفت بالانقلابية وغير الديمقراطية.
هذا التقرير يرصد تفاصيل استبعاد المرشحين، خلفيات العملية الانتخابية، ويعرض أبرز الأرقام والتواريخ والتصريحات السياسية والاقتصادية التي تكشف أبعاد الأزمة.
مجلس الشيوخ المصري
يُعد مجلس الشيوخ الغرفة الثانية للبرلمان المصري، أُعيد تأسيسه بموجب التعديلات الدستورية التي أُقرت في استفتاء أبريل 2019، بعد أن أُلغي سابقًا تحت مسمى "مجلس الشورى" عام 2014.
يضم المجلس 300 عضو، يتم انتخاب ثلثيهم (200 عضو) عبر الاقتراع العام، بينما يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي (100 عضو).
أُجريت أول انتخابات لمجلس الشيوخ بعد عودته في أغسطس 2020، وشهدت مقاطعة شبه تامة من القوى المعارضة، وانتهت بفوز ساحق لتحالف “القائمة الوطنية من أجل مصر” المدعومة من أجهزة الدولة الأمنية والمخابراتية، والتي ضمت حزبي "مستقبل وطن" و"الشعب الجمهوري"، وغيرهما من أحزاب تُوصف بأنها ديكورية.
نبذة عن انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول الزمني لانتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025، حيث بدأت عملية الترشح في 5 يوليو واستمرت حتى 10 يوليو، وتم إعلان القوائم الأولية للمرشحين في 11 يوليو.
تم تخصيص الفترة من 14 إلى 16 يوليو للطعون على القوائم، على أن تبدأ الحملات الانتخابية في 18 يوليو.
يُسمح للمرشحين بالانسحاب حتى 20 يوليو، بينما يبدأ الصمت الانتخابي في 31 يوليو.
يُصوّت المصريون في الخارج يومي 1 و2 أغسطس، وفي الداخل يومي 4 و5 أغسطس، على أن تُعلن النتائج النهائية في 12 أغسطس.
ورغم أهمية هذا الاستحقاق الدستوري، إلا أن الأجواء السياسية والإعلامية اتسمت بالركود وغياب الحماس الشعبي، حيث لم تظهر حملات دعائية أو مناظرات حقيقية، ما يعكس حالة من العزوف العام عن المشاركة السياسية في ظل سيطرة السلطة الحاكمة.
استبعاد المرشحين: الأسباب والخلفيات
شهدت عملية قبول المرشحين لمجلس الشيوخ استبعاد عدد من الشخصيات المعارضة أو غير المرضي عنها من قبل النظام الحاكم. ورغم أن الهيئة الوطنية للانتخابات تبرر ذلك بعدم استيفاء الشروط القانونية، إلا أن مراقبين يرون أن هذه الإجراءات تهدف إلى إحكام السيطرة على المجلس وإقصاء الأصوات المعارضة.
من بين الأسباب الرسمية للاستبعاد:
- عدم استكمال بعض الأوراق أو المستندات المطلوبة.
- وجود أحكام قضائية سابقة أو قضايا منظورة.
- الانتماء لأحزاب أو حركات سياسية معارضة للنظام.
- تطبيق قوانين الإقصاء السياسي التي تحظر ترشح من شغلوا مناصب قيادية في فترة ما قبل 2011 أو من أُدينوا في قضايا سياسية.
استبعاد المرشحين.. من؟ ولماذا؟
في يونيو 2025، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات –التي يسيطر عليها النظام– عن القوائم الأولية للمرشحين، لتفاجئ الأوساط السياسية باستبعاد ما يزيد عن 70 مرشحًا مستقلاً، بينهم وجوه بارزة من التيارات القومية واليسارية والإسلامية، وحتى بعض الشخصيات الليبرالية ممن سبق أن خاضوا الانتخابات البرلمانية في سنوات سابقة.
من أبرز المستبعدين:
- الدكتور محمد عبد الجواد: أكاديمي مستقل معروف بمواقفه المناهضة للخصخصة وتفكيك القطاع العام.
- الناشطة سهى المصري: مرشحة سابقة في انتخابات 2015، وتنتمي إلى تيار مدني معارض.
- المحامي أحمد الشهاوي: عضو سابق بحزب الكرامة، وتعرض للاعتقال لفترات متفرقة منذ 2014.
- المهندس إبراهيم عوف: مرشح محسوب على التيار الإسلامي المعتدل.
الهيئة الوطنية بررت الاستبعاد بـ"عدم استيفاء الشروط القانونية"، كعدم اكتمال أوراق الترشيح، أو وجود أحكام جنائية "حتى وإن كانت مرفوعة أو مشكوك فيها"، أو “غياب التأييدات الشعبية المطلوبة”، في حين أكد معظم المستبعدين أنهم قدموا أوراقهم بشكل قانوني.
انتخابات بلا منافسة ولا شرعية
وفقًا لتقارير غير رسمية، فإن أكثر من 80 % من المقاعد محسومة سلفًا لصالح مرشحي قائمة "مستقبل وطن"، بدعم مباشر من أجهزة الأمن، مع انسحاب عدد من المستقلين اعتراضًا على الاستبعاد غير المبرر لبعضهم، ما ينذر بنسبة مشاركة متدنية كالتي شهدتها انتخابات 2020، والتي لم تتجاوز 14.2 % بحسب أرقام الهيئة الوطنية، رغم الشكوك حول دقتها.
قال الخبير الاقتصادي مدحت نافع إن “تكلفة هذه الانتخابات أكبر بكثير من مردودها”، مشيرًا إلى أن “مجلس الشيوخ لا يمارس صلاحيات فعلية، لكنه مجرد أداة لتجميل وجه السلطة سياسيًا أمام الخارج”.