قال ناشطون إن أجهزة محافظة القاهرة والهيئة الهندسية في التنفيذ وخلال الأسبوع الفائت إزالة مربع جديد من مقابر باب النصر؛ وفي الوقت الذي
أصدرت محافظةُ القاهرة قراراً بوقف دفن الأموات في جبّانات الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، بدأت على الجانب الآخَر منذ أبريل 2024 تفريغُ جبّانة باب النصر التاريخية التي تقع أمام بوّابتَي الفتوح والنصر خارجَ أسوار القاهرة القديمة لإنشاء مشروعِ مواقفِ سيارات، مما يبدو إصراراً على إزالة جبّانات القاهرة التاريخية.
وعمل بلدوزر المحافظة والهيئة في منطقة تمتد لنحو 120 مترًا طولا من شارع البنهاوي الموازي لسور المعز، رغم أن الأجهزة أزالت نحو 130 مترًا في أبريل 2024 لإقامة الجراج الذي يخدم رواد فندق طائفة البهرة، الذي يجري بناؤه أمام مسجد الحاكم بأمر الله، رغم أن (محافظة القاهرة) وعدت سكان منطقة باب النصر وأصحاب المقابر بالاكتفاء بالمساحة المُزالة (130 متر) لبناء الجراج، مؤكدة أنه لن تتم إزالات أخرى، لكن عديد من أصحاب المقابر، وأغلبهم من سكان الجمالية والعطوف، أُبلغوا من حراس الأحواش بالقدوم لنقل رفات موتاهم إلى مقابر بديلة.
الباحثة في التاريخ المصري، سالي سليمان، مؤسسة مدونة البصّارة لتوثيق التراث، قالت في تصريحات صحفية أن جبانة باب النصر هي المقبرة التاريخية والرئيسية للقاهرة، منذ تأسيسها في القرن العاشر، وهي الجبّانة الأهم لسكان المدينة القديمة سواء من القاهريين أو أبناء المحافظات الذين استقروا في القاهرة وأنشأوا مقابرهم في «باب النصر» بأسماء قراهم في الصعيد والدلتا، وكذلك المتمصرين من أبناء الجاليات العربية والأجنبية، مثل مقابر الشوام وغيرهم.
وأشارت إلى أن جبّانة باب النصر طبقات فوق طبقات، واكتشافاتها لا تنتهي، كما أن مقابرها تتميز بالمقاصير الخشبية الذي ذهب أغلبها بفعل الإهمال، لكن لا يزال بعضها موجودًأ ويحتاج إلى اهتمام وترميم وليس الهدم والإزالة.
وتعد جبانة باب النصر مقصدًا للعديد من السياح العرب والأجانب للتعرف على التراث الجنائزي المصري الحديث، تمامًا مثل الذين يقصدون المقابر الفرعونية للوقوف على تراث الموتى في التاريخ المصري القديم، حيث باب النصر من أقدم الجبانات الأهلية لسكان القاهرة والتي تواجه شارع المعز لدين الله الفاطمي.
سالي سليمان قالت: "أنا مرشدة سياحية وفيه مجموعات بتيجي مخصوص تطلب زيارة باب النصر بسبب فرادتها، ومنهم متخصصين في الخط العربي وباحثين في التصوف وأعلامه، وكفاية إننا خسرنا قبل كده مقبرة ابن خلدون اللي راحت في توسيع شارع البنهاوي الرئيسي بين المقابر وسور القاهرة، في الوقت اللّي الأسبان والمغاربة قالبين الدنيا علشانه".
وقال الناشط الآثاري المعروف ميشيل حنا Michel Hanna: "جاري الآن هدم جبانة باب النصر لبناء جراج للسيارات. . جبانة باب النصر هي واحدة من جبانات مصر التراثية الفريدة، وعمرها من عمر إنشاء القاهرة. تتميز الجبانة بوجود عدد كبير من المقصورات الخشبية التي تحيط بالأضرحة، والتي لا يوجد لها مثيل على مستوى العالم.".
الآثاري محمود مرزوق عبر Mahmoud Marzouk، قال: "بدأت على قدم وساق اعمال هدم مقابر باب النصر في الجزء الواقع في شارع البنهاوي المواجه لباب الفتوح وباب النصر ،الهدف من الهدم بناء چراج متعدد الطوابق لتوفير اماكن انتظار الحافلات السياحية وسيارات الزوار ".
وأضاف أن "كل الكلام اللي ممكن يتقال عن هدم المقابر اتقال على مدى الأربع سنين اللي فاتوا قاله المتخصصين وغير المتخصصين واشتبك مع الموضوع ملايين المصريين وكل شيء بقى معروف ومسموع وبالتالي مفيش داع لتكرار الكلام لأنه بقى ماسخ وهو والعدم سواء".
واستدرك لكن باقي طلب من الجهات القائمة على مسألة الهدم وهي ضرورة التنبيه على الأهالي اللي بيستخدموا المقابر بمنع الدفن في المقابر المستهدفة بالهدم قبلها بوقت كاف لتفادي أشياء مؤلمة قدر الإمكان ".
ولفت إلى نقاط مهمة نبه لها أصدقاء له في المعهد الفرنسي وجامعة عين شمس بسرعة التدخل لتسجيل بعض التركيبات الخشبية الهامة في باب النصر وكذلك بعض التركيبات الحجرية المرتبطة بشخصيات مهمة زي المستشرق السويسري بوركهارت وغيره".
وأوضح أن الهدم في منطقة باب النصر ليس جديدا بل سبق وأطاح (البلدوزر) بمقابر شخصيات تاريخية بارزة زي شيخ المؤرخين المقريزي ومؤسس علم الاجتماع بن خلدون.
وقال أحد ورثة مقبرة في باب النصر، والذي تربي في المنطقة ويعيش فيها أنه طلب منه ضرورة نقل رفات موتى أسرته إلى مقابر بديلة في منطقة جنيفة بطريق السويس، وهي تبعد أكثر من ساعة ونصف بالسيارة عن مقابر الروبيكي التي علم أنها مخصصة فقط لأصحاب مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وسيدي جلال. ويُطلق على مقابر باب النصر مقابر الفقراء والحرافيش والمتصوفة، بينما مقابر الإمام الشافعي (مقابر الباشوات).
وشملت الإزالات أحواشًا ومقابر تاريخية في مناطق متعددة من العاصمة، أبرزها مقبرة الإمام الشافعي، ومقبرة سيدي جلال بمنطقة السيدة عائشة، وتعود معظم هذه المدافن إلى القرنين 18 و19 وبعضها أقدم من ذلك، تشمل الإزالات قببًا ومآذن تعود إلى عصور المماليك والعثمانيين، رغم وعود رسمية بعدم إزالتها!
في أكتوبر من العام الماضي، أعلن رئيس حكومة السيسي وقف الهدم في مقابر الإمام الشافعي، إثر موجة غضب شعبي، وأكد آنذاك أن الدولة “حريصة على حماية المنشآت التراثية”، سواء المسجلة رسميًا كآثار أو تلك ذات القيمة التاريخية غير المدرجة، وأصدر تكليفات فورية بعدم المساس بأي مبنى تراثي في المنطقة، وكانت وعود رسمية لم تصمد طويلاً.
وطالت عمليات الهدم مقبرة حافظ إبراهيم، شاعر النيل، وحوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الخاضع لإشراف وزارة الأوقاف، في سابقة أثارت قلق المختصين وعلماء الآثار، الذين حذروا من أن القاهرة تخسر يومًا بعد يوم طبقاتها الثقافية والمعمارية.
واعتبر مهتمون وباحثون أن الوقف الذي نقذته في السابق محافظة القاهرة كان للتمويه على ما يبدو حيث وصلت العائلات تعليمات بنقل رفات موتاها إلى مدافن بديلة في مدينة العاشر من رمضان.لكن هذه الوعود تبددت مع عودة الجرافات، وسط صمت رسمي، ما يثير تساؤلات عن مستقبل الإرث العمراني في العاصمة القاهرة، ومدى التزام السلطات بتعهداتها المحلية والدولية.