يشهد الاقتصاد المصري مع مطلع عام 2025 استمراراً في التحديات الكبيرة التي تواجه استقراره النقدي والمالي، حيث تظهر أحدث البيانات حتى فبراير 2025 استمرار تدهور قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 50 جنيهاً للدولار الواحد في السوق الرسمية، بينما يقترب من 55 جنيهاً في السوق الموازية.
هذا الانخفاض الحاد يمثل استمراراً لمسار تدهور العملة المحلية الذي بدأ بشكل جلي بعد تعويم الجنيه عام 2016، حيث خسرت العملة المصرية أكثر من 80% من قيمتها أمام العملات الأجنبية خلال العقد الأخير.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن معدل التضخم السنوي ظل مرتفعاً عند حدود 32% حتى يناير 2025، مع توقعات باستمرار الضغوط التضخمية خلال الأشهر المقبلة.
وقد سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعاً حاداً تجاوز 350% مقارنة بمستوياتها قبل عشر سنوات، حيث قفز سعر كيلو اللحم الأحمر ليصل إلى 400 جنيه، بينما تجاوز سعر كيلو السكر 50 جنيهاً.
هذه الارتفاعات القياسية في الأسعار تضع المزيد من الأعباء على الأسر المصرية، خاصة في ظل ثبات الأجور تقريباً خلال الفترة نفسها.
ويواجه الاقتصاد المصري هذه التحديات على الرغم من حصول الحكومة على قروض ضخمة من المؤسسات الدولية تجاوزت 165 مليار دولار منذ 2014.
وتظهر بيانات وزارة المالية أن خدمة الدين تستنزف أكثر من 45% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، بينما تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 95%، مما يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على توجيه الموارد للإنفاق التنموي والاجتماعي.
وقد أدى هذا الوضع إلى تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 60% من السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر أو معرضون لخطر الوقوع فيه.
وفي محاولة لمواجهة هذه الأزمات، واصل البنك المركزي سياسة رفع أسعار الفائدة التي وصلت إلى 27% في فبراير 2025، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم.
إلا أن هذه السياسة لم تحقق النتائج المرجوة في كبح جماح التضخم، بينما أدت إلى شل حركة القطاع الخاص بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض.
كما أن سياسات تحرير سعر الصرف التي تم تنفيذها تحت ضغط صندوق النقد الدولي تسببت في صدمات متتالية للاقتصاد، دون أن تحقق الاستقرار المطلوب في سوق العملات.
وتكشف البيانات الرسمية عن تراجع خطير في الاحتياطيات النقدية الأجنبية التي بالكاد تغطي ثلاثة أشهر من الواردات، حيث بلغت حوالي 32 مليار دولار في فبراير 2025.
هذا الوضع الهش يجعل الاقتصاد المصري عرضة لأي صدمات خارجية، خاصة في ظل استمرار عجز الميزان التجاري الذي تجاوز 40 مليار دولار سنوياً.
وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج التي تشكل مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة، حيث انخفضت بنسبة 30% مقارنة بمستوياتها قبل خمس سنوات.
وفي القطاع العقاري، تشهد الأسعار ارتفاعات غير مسبوقة تجاوزت 500% خلال العقد الأخير، مما جعل امتلاك المسكن حلماً بعيد المنال بالنسبة لغالبية المصريين.
كما تعاني الصناعة المحلية من أزمات حادة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم القدرة على المنافسة، حيث انخفضت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 15%، بينما ارتفعت نسبة البطالة إلى 12% وفقاً لأرقام فبراير 2025، مع توقعات بزيادتها في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي المتوقع أن لا يتجاوز 3% هذا العام.
ويواجه النظام المصرفي تحديات كبيرة بسبب ارتفاع نسبة الديون المتعثرة التي تجاوزت 25% من إجمالي محفظة القروض، مما يهدد استقرار القطاع المالي.
كما أن سياسات التيسير الكمي التي اتبعها البنك المركزي لتمويل العجز في الموازنة أدت إلى تضخم المعروض النقدي بنسبة 30% خلال العام الماضي فقط، مما زاد من الضغوط التضخمية.
كل هذه المؤشرات تظهر أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة هيكلية عميقة تتطلب إصلاحات جذرية تختلف جذرياً عن السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ 2013.