تشهد سجون السيسي تزايدًا في شكاوى الإهمال الطبي التي تطال السجناء السياسيين، ما أدى إلى تحركات واسعة من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية تطالب بتحسين ظروف الاحتجاز وتوفير الرعاية الصحية اللازمة.
هذه الأوضاع تلقي بظلالها على المشهد الحقوقي في مصر، حيث يتم تسليط الضوء على معاناة السجناء الذين يُحرمون من العلاجات الضرورية، في انتهاك صارخ للقوانين المحلية والدولية.
 

سجناء محرومون من الرعاية الطبية.. قصص مأساوية
   تعتبر قضية السجين السياسي السيد السيد سليمان واحدة من أبرز الحالات التي تكشف حجم الإهمال الطبي داخل السجون.
فبحسب تقارير حقوقية صادرة عن منظمة جوار الحقوقية، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة (كوميتي فور جستس)، فقد سليمان بصره بالكامل نتيجة التأخير المتعمد في تقديم العلاج داخل مجمع سجون بدر.

وأوضحت المنظمات أن سليمان كان يعاني من مشاكل خطيرة في عينيه استدعت تدخلاً جراحيًا عاجلاً، إلا أن إدارة السجن أجلت علاجه لفترات طويلة، مما أدى إلى تفاقم حالته الصحية.

وبعد شهور من التأخير، خضع سليمان لعملية جراحية في مستشفى المنيل استمرت تسع ساعات بدلاً من أربع، مما تسبب في نزيف داخلي أدى إلى فقدانه البصر تمامًا.
وأشارت التقارير إلى أن الطبيب الاستشاري المسؤول عن حالته لم يكن موجودًا أثناء العملية، وأن طبيبًا آخر غير متخصص أجرى الجراحة، ما فاقم من سوء حالته.
 

معاناة مستمرة وإهمال متعمد
   أكدت المنظمات الحقوقية أن سليمان تعرض لإهمال طبي استمر لأكثر من عامين، حيث فقد البصر في إحدى عينيه سابقًا وتعرض لمعاملة قاسية أثناء تنقله بين السجون ومستشفياتها.
وأوضحت أسرته أن إدارة السجن تسببت في تفاقم معاناته الصحية بسبب سوء التهوية وظروف الاحتجاز غير الإنسانية، وناشدت السلطات بسرعة الإفراج عنه بعفو صحي أو السماح له بتلقي العلاج على نفقته الخاصة، محذرة من أن وضعه الصحي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

لم تكن حالة سليمان الوحيدة، فقد أصدرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بيانًا بشأن السجين السياسي طارق محمود عربان، البالغ من العمر 59 عامًا، والمصاب بسرطان الدم (اللوكيميا).
وأفادت الشبكة بأن إدارة سجن وادي النطرون – تأهيل 10، حيث يُحتجز عربان، تتعنت في تمكينه من تلقي العلاج في أحد المستشفيات الحكومية المتخصصة، على الرغم من التدهور الشديد في حالته الصحية.

وأوضحت الشبكة أن إدارة السجن اكتفت بنقل عربان مرتين فقط إلى مستشفى السجن لإجراء التحاليل، والتي أكدت تدهور وضعه الصحي، فيما أوصى الأطباء بضرورة تلقيه علاجًا عاجلاً في مستشفى متخصص.
ومع ذلك، رفضت السلطات نقله إلى أي مستشفى خارجي، رغم حالته الحرجة.
 

انتهاكات مستمرة واتهامات بالقتل البطيء
   بحسب تقرير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن إدارة السجن شددت الحراسة على عربان بدلاً من توفير العلاج اللازم له، وهو ما وصفته الشبكة بـ"القتل البطيء" نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
وأكدت أن حالة عربان تزداد سوءًا بشكل خطير، خاصة مع إصابته بأمراض أخرى مثل السكري ومشاكل القلب، والتي تفاقمت بسبب ظروف الاحتجاز القاسية.

وفي بيانها، أكدت الشبكة أن تعنت السلطات في توفير العلاج لعربان قد يُعتبر جريمة قتل عمد بالامتناع، وهو ما يُعرف قانونًا بـ"القتل السلبي". كما أشارت إلى أن سياسة الإفلات من العقاب التي تمنح القائمين على إدارة السجون حصانة من المساءلة تتعارض مع القوانين المحلية والدولية.
 

القوانين المصرية والالتزامات الدولية.. نصوص بلا تطبيق؟
   وفقًا للمادة 40 من لائحة السجون يجب أن يتوفر أطباء متخصصون داخل السجون لتقديم الرعاية الصحية اللازمة، كما يُلزم القانون إدارة السجون بنقل السجناء إلى المستشفيات في حال احتياجهم لعلاج لا يمكن تقديمه داخل السجن.
بالإضافة إلى ذلك، تلتزم مصر بالقوانين الدولية، مثل قواعد نيلسون مانديلا لمعاملة السجناء، والتي تؤكد حقهم في الحصول على الرعاية الصحية الملائمة.

ومع ذلك، تشير التقارير الحقوقية إلى أن هذه القوانين لا يتم تطبيقها بشكل فعال، حيث يعاني العديد من السجناء من نقص الخدمات الصحية وتأخير العلاج، مما يعرض حياتهم للخطر.
 

تحركات حقوقية ودعوات للإفراج الصحي
   مع تزايد عدد الحالات التي تتعرض للإهمال الطبي، تطالب منظمات حقوقية دولية ومحلية سلطات السيسي بالإفراج الصحي عن السجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة، وضمان حصولهم على الرعاية الطبية العاجلة.
كما دعت إلى إجراء إصلاحات شاملة في نظام السجون لضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية.