في عام 2024، لم تُصدر دوائر الإرهاب في مصر أيّ قرارات إخلاء سبيل في قضايا أمن الدولة، وفقًا لتقرير حديث صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان "صفر الإخلاءات مستمر".
يأتي ذلك في ظل توقف تام لقرارات إخلاء السبيل من قبل محكمة الجنايات، وتحوّل دوائر الإرهاب إلى أداة لتجديد الحبس الاحتياطي تلقائيًا، دون النظر في ملفات المتهمين أو حضورهم الجلسات، وذلك منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي في إبريل 2022.
 

إحصائيات مفزعة وتجديدات تلقائية
   
كشف التقرير عن أن ثلاث دوائر إرهاب نظرت خلال 104 جلسات في 45,965 قرار تجديد حبس موزعة على 3,217 قضية أمن دولة خلال عام 2024، دون إصدار أي قرار بإخلاء سبيل.
وأشار إلى أن دوائر الإرهاب أصبحت أداة لتجديد الحبس تلقائيًا، مما يعارض مبدأ افتراض البراءة ويعزز الاحتجاز التعسفي.

أوضحت الجبهة أن قرارات دوائر الإرهاب باتت شكلية، إذ لم تعد تملك صلاحية إصدار قرارات إخلاء السبيل بعد أن تم تحويلها إلى نيابة أمن الدولة العليا، ما أدّى إلى تراجع دور القضاة وتحولهم إلى منفذين لقرارات الأجهزة الأمنية.
 

لجنة العفو الرئاسي.. أمل مفقود
   
أشار التقرير إلى أن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي منذ إبريل 2022 لم تحل الأزمة.
فعلى الرغم من إطلاق سراح 2,413 شخصًا عبر قرارات عفو رئاسي و145 آخرين بقرارات من دوائر الإرهاب، إلا أن تلك الأعداد تظل ضئيلة مقارنة بالاعتقالات المتزايدة. فقد شهدت الفترة نفسها اعتقال 6,899 شخصًا على خلفية قضايا أمن دولة، ما يعكس تفاقم أزمة الحريات في مصر.

تعد لجنة العفو الرئاسي أداة سياسية تهدف إلى تخفيف الاحتقان الداخلي والخارجي دون إحداث تغيير جوهري في سياسات الاعتقال أو تقليص سلطات الأجهزة الأمنية.
ويشير التقرير إلى أن القوائم تُمرَّر بعد فحصها من قبل جهاز الأمن الوطني، الذي يقبض على المعتقلين في المقام الأول، مما يعكس تعارضًا بين دور اللجنة وواقع الاحتجاز التعسفي.
 

انتهاكات حقوقية ممنهجة
   
أبرز التقرير سلسلة من الانتهاكات التي تعرّض لها المحتجزون، بدءًا من اعتماد تقنية الاتصال بالفيديو في جلسات التجديد، مما يمنع المتهمين من التواصل المباشر مع محاميهم أو القضاة.
وأفاد محامون أن المتهمين يُتركون لساعات طويلة دون طعام أو شراب قبل بدء الجلسات، ما تسبب في حالات إغماء متكررة.

كما أشار التقرير إلى عدم استجابة دوائر الإرهاب لمطالب المحامين بالنظر في أوضاع المتهمين الصحية، واستخدام تقنية الفيديو كأداة للتضييق على المتهمين ومنعهم من التعبير عن معاناتهم داخل السجون.
وبيّن المحامون أن جلسات التجديد تُعقد في قاعات ضيقة ومزدحمة، مما يحد من قدرة الدفاع على تقديم دفوع فعالة.
 

دوائر الإرهاب.. من العدالة إلى الشكلية
   
أوضح التقرير أن دوائر الإرهاب تحوّلت إلى أدوات شكلية، تقتصر وظيفتها على إضفاء غطاء قانوني على قرارات الاعتقال التعسفي المطوَّل.
فبعد أن كانت تُخلي سبيل بعض المتهمين ولو بنسبة ضئيلة قبل إعادة تفعيل لجنة العفو، أصبحت اليوم لا تصدر أيّ قرارات إخلاء، بل تكتفي بتجديد الحبس تلقائيًا.

هذا التحوّل يعكس تراجعًا كبيرًا في استقلالية القضاء، إذ أضحى القضاة يمارسون دورًا إداريًا بحتًا، بينما تُسيطر الأجهزة الأمنية على قرارات الاحتجاز والإفراج.
وتُظهر هذه السياسة تحوّلًا كبيرًا في مفهوم العدالة، إذ تُستخدم الدوائر القضائية كأداة لإضفاء شرعية قانونية على احتجاز المعارضين السياسيين والنشطاء.
 

مقارنة زمنية.. تفاقم الأزمة بعد 2022
   
قارنت الجبهة المصرية أداء دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة ما بين 2020 و2023، مشيرة إلى أن القرارات كانت تشمل نسبة محدودة من إخلاءات السبيل قبل إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي.
إلا أن الوضع تغيّر كليًا منذ إبريل 2022، إذ اختفت قرارات الإخلاء تمامًا، ما يعكس تراجعًا في استقلالية القضاء.

هذا التغيير يأتي في سياق تغييرات سياسية وأمنية كبرى في مصر، حيث اتجهت السلطات إلى تشديد القبضة الأمنية بعد إعادة تفعيل لجنة العفو، الأمر الذي أفرغها من مضمونها وأصبحت أداة سياسية لإدارة الاحتقان الشعبي والدولي.
 

حقوقيون: وضع حقوقي قاتم ومستقبل مجهول
   
علق حقوقيون على التقرير، مشيرين إلى أن الوضع الحقوقي في مصر أصبح أكثر قتامة، إذ لم تُسجّل أيّ بوادر تحسّن في أداء دوائر الإرهاب أو تغيير في سياسات الاحتجاز التعسفي.
وأكدوا أن السلطات تستخدم هذه الدوائر كأدوات لترسيخ القمع السياسي والحد من الحريات العامة.

وأضاف الحقوقيون أن استمرار هذا النهج يُنذر بمزيد من التدهور في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويعكس غياب الإرادة السياسية لإصلاح النظام القضائي أو احترام المعايير الدولية للعدالة.