وسط أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، تواجه مصر تحديًا غذائيًا كبيرًا يتمثل في ارتفاع معدلات سوء التغذية بين المواطنين، خاصة الأطفال.
وتشير تقارير دولية ومحلية إلى أن ما يزيد على 9 ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، مما يثير قلقًا واسعًا حول المستقبل الصحي للمجتمع المصري.
 

قصص إنسانية.. معاناة الأسر من سوء التغذية
   في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، يصطحب هاشم بسيوني، موظف بوزارة الأوقاف، زوجته أسبوعيًا لعلاج ابنيه حاتم وسعيد من التقزم، ويقول بسيوني: "لم نكن الأسرة الوحيدة التي تعاني، فهناك العديد من الأسر التي تواجه نفس المشكلة".
القصة ليست معزولة؛ بل هي جزء من أزمة أوسع تعكس تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية على صحة الأجيال القادمة.
 

تحرك حكومي واستجابة ميدانية
   أطلقت وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الصحة قوافل صحية مدرسية لتشخيص وعلاج حالات سوء التغذية، بما في ذلك التقزم، الأنيميا، والسمنة.
نرمين منير، طبيبة الصحة المدرسية، تحدثت عن حالة استنفار للكشف عن الحالات وعلاجها، مشيرة إلى زيادة معدلات الإصابة بين الطلاب.

ومنذ بداية العام الدراسي 2023 / 2024 وحتى نهاية نوفمبر الماضي تحدثت الحكومة عن توزيع 435 مليون وجبة مدرسية على الطلاب، منها 368 مليونًا لطلاب المدارس العامة و67 مليونًا لطلاب الأزهر.
 

أبعاد اقتصادية واجتماعية متشابكة
   لكن الأزمة تتجاوز الحلول الطبية إلى أبعاد اقتصادية واجتماعية أعمق، يقول الباحث الاقتصادي محمد عامر إن ارتفاع تكاليف المعيشة جعل ملايين الأسر عاجزة عن توفير نظام غذائي متوازن.
ومع ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 73% والخضروات بنسبة 83%، اضطرت العديد من الأسر لإعادة ترتيب أولوياتها الغذائية، ما أدى إلى اختفاء الأطعمة الغنية بالبروتين والخضروات من موائدها.
 

تحذيرات دولية متزايدة
   وفق تقرير للأمم المتحدة، ارتفعت نسبة المصابين بسوء التغذية في مصر تدريجيًا على مدار العقود الماضية، حيث بلغت 8.5% في عام 2023.
كما يعاني نحو 33 مليون مصري من انعدام الأمن الغذائي، مما يضعف قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
 

الأطفال في دائرة الخطر
   يشير استشاري التغذية العلاجية عمر قنديل إلى أن سوء التغذية أصبح يهدد صحة الأطفال بشكل خاص، حيث يؤدي إلى التقزم وتأخر النمو.
وأضاف قنديل: "ضعف تغذية الأمهات خلال فترة الحمل وانخفاض الرضاعة الطبيعية أسهما في تدهور صحة الأطفال".

مي حامد، طبيبة أطفال، أكدت أهمية التحرك الفوري لعلاج الأطفال في الأشهر الأولى من حياتهم، مشددة على ضرورة توفير تغذية سليمة للأم والطفل ونشر الوعي بمخاطر سوء التغذية.
 

السمنة.. أزمة موازية
   على الجانب الآخر من المشكلة، تسجل مصر أعلى معدل للسمنة في المنطقة العربية، حيث بلغت النسبة 44.3% بين البالغين في عام 2022.
ويرى الخبراء أن اختلال أنماط التغذية وانتشار الأطعمة سابقة التجهيز والوجبات السريعة وراء هذه الظاهرة.
 

الخطر الأكبر.. ارتفاع الأسعار والجوع
   في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الغذائية، أصبحت الكثير من الأسر مهددة بالجوع.
دراسة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حذرت من أن الاعتماد المفرط على الخبز، الذي تضاعف سعره 4 مرات في العامين الماضيين، يعكس عمق الأزمة.

وأوضحت الدراسة أن المصريين يعتمدون بشكل كبير على القمح لتلبية نحو 39% من احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية، مما يجعل أي زيادة في أسعاره تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي.