انتقدت العديد من المنظمات الحقوقية الانتهاكات المتواصلة من نظام السيسي تجاه المعارضين في مصر، ومنها الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة، ومكافحة الإعدام، والحماية من التعذيب، والإخفاء القسري، والتجمع السلمي والتنظيم.

انتقدت 13 منظمة حقوقية مصرية، ما وصفته بتصاعد حدة الانتهاكات الحقوقية وفق استراتيجية ممنهجة، تتشارك فيها كافة مؤسسات الدولة، ما أدى لمزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواصل العصف بالمصريين.

وقدمت 13 منظمة حقوقية مصرية تقريرًا مشتركًا إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حول تفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، في إطار الإعداد للدورة الرابعة من الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، المقرر عقدها في يناير المقبل.

 

من هي المنظمات؟

وحمل توقيع كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومنصة اللاجئين في مصر، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، لجنة العدالة، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مركز النديم، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، إيجيبت وايد، مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، إلى جانب منظمتين فضلتا عدم ذكر اسميهما خوفا من الأعمال الانتقامية، حسب البيان.

وأكد التقرير على تصاعد مؤشرات حدة الانتهاكات في الفترة من نوفمبر 2019 حتى منتصف العام الحالي، وفقًا لـ"القدس العربي".

وتناول آليات تجريم السلطات للحقوق المتعلقة بمباشرة العمل السياسي، وركز على أحداث الانتخابات الرئاسية التي عقدت العام الجاري، واستهداف منافسي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومؤيديهم.

واستشهد التقرير بما تعرض له السياسي المعارض أحمد الطنطاوي خلال محاولته خوض الانتخابات، وصدور حكم بسجنه لمدة عام هو ومدير حملته الانتخابية وعدد من مؤيديه في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية «التوكيلات الشعبية».

وكانت محكمة النقض رفضت الثلاثاء الماضي الطعن الذي تقدم به الطنطاوي على حكم سجنه.

وبذلك تنتهي آخر مراحل القضاء في القضية، وسيظل الطنطاوي ومدير حملته رهن الحبس حتى شهر مايو المقبل.

وفي 27 مايو الماضي، أيدت محكمة جنح مستأنف حكم أول درجة، وتم توقيف الطنطاوي خلال جلسة المحاكمة من سلطات الأمن لتنفيذ العقوبة.

وتعود القضية إلى قيام الطنطاوي في العام الماضي بدعوة الراغبين في تحرير توكيلات له إلى أن يملأوا نماذج يدوية أطلق عليها اسم التوكيلات الشعبية. ولجأ إلى ذلك، بعد أن ألقى اللوم على السلطة في عدم تمكّنه من جمع التوكيلات المطلوبة لإتمام الترشح رسمياً، لافتًا إلى منع أنصاره عمداً من تحرير التوكيلات في مكاتب الشهر العقاري المكلفة بهذه المهمة في أنحاء البلاد.

لكن قوات الأمن ألقت القبض على عدد من أنصار الطنطاوي ومعهم نماذج غير رسمية لعمل توكيلات شعبية لترشحه للانتخابات الرئاسية للتعبير عن تأييدهم لترشح الطنطاوي في مواجهة منع مكاتب الشهر العقاري تحرير النماذج الرسمية لهم. وقررت النيابة العامة في 7 نوفمبر 2023 إحالتهم جميعًا للمحاكمة.

ووجهت النيابة للمتهمين الـ21 تهم الاشتراك والاتفاق بتداول إحدى أوراق العملية الانتخابية، بتحريض من المتهم الأول الطنطاوي والمتهم الثاني محمد أبو الديار، حيث قاما بمد باقي المتهمين بالنموذج وطباعة وتداول دون إذن السلطة المختصة، حسب الاتهامات في القضية.

وأُلقي القبض على الطنطاوي من المحكمة بعد تأييد حكم بسجنه لمدة عام في 27 مايو الماضي، وفي صباح اليوم التالي جرى القبض على أبو الديار، لتنفيذ العقوبة المقررة بالحبس سنة مع الشغل، بينما باقي أعضاء الحملة رهن الحبس الاحتياطي منذ أكتوبر الماضي.

ولم يستشهد التقرير بما تعرض له الطنطاوي وحده، بل تناول كيف منعت السلطات عددًا من مؤيدي رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل من تحرير توكيلات لها في مقرات الشهر العقاري في عدة مدن، إبان تلك الانتخابات.

ووصل الأمر للتعدي الجسدي والتحرش الجنسي بإحدى السيدات.

ورصدت المنظمات، الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة ومكافحة الإعدام، والحماية من التعذيب، والإخفاء القسري، والتجمع السلمي والتنظيم.

كما لفت إلى انتهاكات حقوق النساء ومكافحة العنف ضد المرأة، والحقوق والحريات الجنسانية، وأوضاع حقوق الإنسان في سيناء، بالإضافة إلى أوضاع أماكن الاحتجاز، والانتهاكات بحق اللاجئين، والإخلاء القسري للسكان، وقمع النشطاء المصريين بالخارج.

 

تبييض سجل السلطات المصرية أمام المجتمع الدولي

وسلط التقرير الضوء على خواء المبادرات الحكومية التي تدعي معالجة الوضع الحقوقي، بينما تستهدف فقط تبييض سجل السلطات المصرية أمام المجتمع الدولي، محذراً من تدابير نشطة تتخذها حكومة السيسي مؤخرًا لإضفاء الشرعية على الممارسات والانتهاكات المستمرة طوال العقد الماضي، ومحاولة ترسيخها وتقنينها، مما يبرهن على عدم وجود أي نية لتغييرها أو إصلاحها.

وتضمن مجموعة من التوصيات التي اعتبر بمثابة خطوات أولى لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، بدايةً من التعليق الفوري لعقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها ووقف تنفيذها فورًا، مرورًا بعدة توصيات تتعلق بمنع الاحتجاز التعسفي وتحسين أوضاع السجون، وصولاً إلى تعديلات تشريعية تضمن الحماية من توظيف ترسانة القوانين القمعية للانتقام من المعارضين والزج بهم في السجون ومحاكماتهم بتهم مختلقة «إذ تعتبر مصر الآن الدولة ذات أكبر عدد من السجناء السياسيين في المنطقة».

كما طالب الحكومة، بإطلاق سراح عشرات الآلاف من سجناء الرأي، ووضع حد لممارسات التعذيب والإخفاء القسري الممنهجة ومحاسبة المتورطين فيها، إلى جانب السماح للمنظمات الحقوقية المستقلة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون، والتوقف عن ممارسة «إعادة تدوير» المحتجزين على ذمة قضايا جديدة لتمديد فترات احتجازهم، ووضع حد لتوظيف جرائم الإرهاب لاحتجاز المعارضين تعسفيًا بتهم مكررة وبلا أدلة.

وألقت قوات الأمن خلال الشهور الماضية القبض على العديد من السياسيين والصحافيين، حيث أُلقي القبض على رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، في 22 يوليو الماضي، بعدما اقتحمت قوة أمنية بلباس مدني مقر سكنه، وأعلنت الحركة المدنية اختطاف القيادي البارز فيها يحيى حسين عبد الهادي، وهو في طريقه لحضور ندوة بحزب تيار الأمل «تحت التأسيس» بينما ألقي القبض على الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق من منزله في 20 أكتوبر الماضي.

وأوصى التقرير بإلغاء قوانين مكافحة الإرهاب وقرارات تشكيل المحاكم الاستثنائية والمواد القانونية التي تبيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فضلاً عن مواءمة التشريعات الأخرى، بما في ذلك قانون العقوبات وقوانين الطوارئ، مع المعايير الدولية ذات الصلة.

 

إلغاء قوانين مكافحة الإرهاب

وشددت التوصيات على ضرورة إلغاء قانون العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019، الذي يصادر استقلال المجتمع المدني، وتعديل القوانين المنظمة للصحافة والاتصالات، وقانون الجرائم الإلكترونية بما يتماشى مع المعايير الدولية.

كما أوصى بإصدار تشريعات تجرم العنف الأسري، وقانون جديد للأحوال الشخصية وفقًا للمعايير الدولية بالتشاور مع المنظمات الحقوقية المستقلة، وتشكيل لجنة مستقلة لمكافحة التمييز بين الجنسين، وإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة.

كما تطرقت التوصيات لضرورة الامتناع عن اضطهاد الأقليات الدينية والعرقية، ووقف التحريض ضد مجتمع الميم عين، وضمان نزاهة وحرية العملية الانتخابية، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية المقررة في وقت لاحق من عام 2025.