تشهد مصر موجة من الحوادث المأساوية المرتبطة بقطاع النقل، خصوصًا في حوادث القطارات، التي باتت تتكرر بشكل مقلق، لتتحول إلى كابوس يؤرق المصريين يوميًا. آخر هذه الحوادث الأليمة كان اليوم في قرية "البليدة" بجنوب محافظة الجيزة، حيث لقي طفلان شقيقان مصرعهما دهسًا تحت عجلات القطار أثناء محاولتهما عبور شريط السكة الحديد للذهاب إلى المدرسة. هذا الحادث ليس الأول من نوعه، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الكوارث التي تُعزى إلى الفشل الإداري والفساد في هذا القطاع الحيوي تحت إشراف الوزير العسكري كمال الوزير، الذي تزايدت الانتقادات ضده بشكل غير مسبوق في ظل حكم رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

مأساة الأطفال في البليدة
في صباح يوم الاثنين الحزين، استيقظت قرية "البليدة" على خبر مأساوي اهتزت له قلوب الأهالي. الطفل مصطفى عيد سالم وشقيقته حنين، وكلاهما في المرحلة الابتدائية، كانا في طريقهما إلى المدرسة كأي يوم عادي. إلا أن عبورهما شريط السكة الحديد، الذي يفتقر إلى أدنى معايير السلامة، أنهى حياتهما بشكل مأساوي. اصطدم القطار بالطفلين، وحولهما إلى جثتين هامدتين.

الحادث أثار غضب الأهالي في المنطقة، الذين أعربوا عن استيائهم الشديد من تكرار مثل هذه الكوارث في مزلقانات السكك الحديدية التي لا تتمتع بأي إجراءات أمان، إذ يعبرها الأطفال والمواطنون يوميًا وهم يضعون حياتهم على المحك. الأجهزة الأمنية وسيارات الإسعاف انتقلت على الفور إلى مكان الحادث، وتم نقل جثتي الطفلين إلى ثلاجة المستشفى بانتظار تحقيقات النيابة العامة، التي لا يتوقع أن تفضي إلى حلول جذرية في ظل ما وصفه المواطنون بالفشل المتكرر للحكومة في التعامل مع هذا الملف الحساس.

تكرار الحوادث وفشل الوزير
ما حدث في "البليدة" ليس حالة فردية. قبل يومين فقط، وقعت حادثة مشابهة في منطقة الحوامدية، أيضًا في محافظة الجيزة، حيث لقي طفل آخر مصرعه نتيجة اصطدامه بقطار. هذه الحوادث المتكررة تطرح تساؤلات كبيرة حول مدى كفاءة وزير النقل كمال الوزير، الذي عُين في منصبه منذ سنوات ولم يشهد القطاع في عهده إلا المزيد من التدهور.

في ظل قيادة الوزير العسكري، شهد قطاع السكك الحديدية عددًا مهولًا من الحوادث، بدءًا من تصادمات القطارات وصولًا إلى حوادث الدهس عند المزلقانات، والتي تحصد أرواح العشرات سنويًا. الفشل في تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية، وإصلاح المزلقانات وتزويدها بوسائل الأمان اللازمة، يعتبر جزءًا من سلسلة من الإخفاقات التي باتت تلاحق هذا القطاع. ورغم أن الحكومة تقدم وعودًا بإصلاح الوضع، إلا أن الوضع يزداد سوءًا، حيث يتكرر مسلسل الموت على السكك الحديدية وسط تجاهل واضح لمطالب الإصلاح.

مزلقانات الموت: شبح يطارد المصريين
ما زالت مزلقانات الموت تمثل شبحًا يطارد المواطنين في مختلف محافظات مصر. تلك المعابر التي تحولت إلى مناطق خطرة نتيجة للإهمال والفساد الإداري، حيث يضطر المواطنون إلى عبور خطوط السكك الحديدية دون وجود أي وسائل تأمين كافية. أغلب المزلقانات تفتقر إلى حواجز أمان، أو إضاءات مناسبة، أو حتى إشارات تحذيرية، ما يجعل عبورها مغامرة خطرة لا يعرف من يجتازها إن كان سيصل إلى الجهة الأخرى بسلام.
يقول أحد سكان قرية "البليدة": "نحن نعيش في رعب يومي. لا توجد إشارات ولا حواجز تنبهنا لقدوم القطار. الأطفال يذهبون إلى مدارسهم وهم يعلمون أن أي خطوة خاطئة قد تكلفهم حياتهم."
الحوادث المأساوية التي تتكرر يوميًا جعلت المواطنين يتساءلون: إلى متى سيظل هذا الإهمال والفساد يحصد أرواح الأبرياء؟ وإلى متى سيستمر الوزير العسكري في منصبه رغم كل هذه الكوارث؟

تجاهل حكومي وغياب المحاسبة
رغم توالي الحوادث المروعة، لا يبدو أن هناك نية حقيقية لدى الحكومة لإجراء إصلاحات جذرية في قطاع السكك الحديدية. على العكس، يعاني المواطنون من تدهور في الخدمات العامة بشكل عام، ما يزيد من حالة الاحتقان الشعبي. ومع كل حادث قطار جديد، تتعالى الأصوات المطالبة بمحاسبة المسؤولين، إلا أن الردود الحكومية غالبًا ما تأتي على شكل تصريحات جوفاء عن "خطط تطوير مستقبلية" و"تحقيقات جارية"، دون أي إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
في ظل حكم السيسي، الذي يشدد قبضته الأمنية على كل جوانب الحياة في مصر، أصبحت محاسبة المسؤولين عن هذه الكوارث أمرًا بعيد المنال. فالنظام الحالي يعتمد على الولاءات الشخصية أكثر من الكفاءة، ما يجعل بقاء كمال الوزير في منصبه رغم فشله المتكرر أمرًا طبيعيًا في نظام لا يعترف بالأخطاء أو الفساد.

إلى متى يستمر مسلسل الموت؟
يعيش المصريون تحت رحمة نظام يُعنى بتعزيز سلطته أكثر من تحسين حياة مواطنيه. حادثة "البليدة" وحوادث أخرى مشابهة هي نتيجة مباشرة لسياسات إهمال وفساد تتبعها الحكومة في قطاع النقل، الذي أصبح ساحة مفتوحة للموت. الوزير العسكري الفاشل كمال الوزير، الذي يشرف على هذا القطاع منذ سنوات، لم يقدم أي حلول جذرية لمعالجة هذه الكوارث، بل ترك المواطنين يواجهون مصيرهم في مزلقانات الموت.
يبقى السؤال: إلى متى سيظل الشعب المصري يعاني من تكرار هذه الحوادث المأساوية دون أن يحرك النظام ساكنًا؟ وهل سيظل المسؤولون في مناصبهم رغم فشلهم المستمر في حماية أرواح المواطنين؟