منذ وصول النظام المصري الحالي إلى السلطة، تُصوَّر كل خطوة تتخذها مصر في إطار الانضمام إلى منظمات أو مؤسسات إقليمية أو دولية، على أنها الحل السحري للخروج من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعانيها البلاد. أحدث هذه الخطوات هو الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، حيث تروج الحكومة المصرية لذلك على أنه المخرج المنتظر من الاختلالات الاقتصادية والمالية التي تتفاقم يومًا بعد يوم. ومع ذلك، يبدو أن هذه الخطوة ليست سوى حلقة أخرى في سلسلة الهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية، والتي تتمثل أساسًا في الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري، لا سيما في مجالات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا.

سراب بريكس: تكرار لأوهام التسعينيات

لم تكن هذه المرة الأولى التي تُستغل فيها انضمامات مصر إلى اتفاقيات أو منظمات دولية كوسيلة للهروب من الواقع الاقتصادي المتردي. فمثلًا، في التسعينيات، بعد انضمام مصر إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقية الكوميسا واتفاقية الشراكة الأورومتوسطية، تم الترويج لها كحلول لتحسين الاقتصاد المصري. ومع ذلك، فإن هذه الخطوات لم تُسهم في حل مشكلات البلاد الأساسية، بل زادت من تفاقمها مع مرور الوقت.

بعد قمة مجموعة بريكس التي عُقدت في جنوب إفريقيا في أغسطس 2023، وُجِّهَت الدعوة إلى مصر للانضمام إلى هذا التجمع الدولي، وسط حملة إعلامية ضخمة تُصور الانضمام على أنه الفرصة الذهبية لتحقيق انتعاش اقتصادي شامل. ووفقًا لهذه الرواية، فإن انضمام مصر إلى بريكس سيسهم في تسهيل التبادل التجاري بالعملات المحلية، وتحسين جودة الصناعة، وجذب استثمارات جديدة. ومع ذلك، فإن الواقع يبدو مغايرًا تمامًا.

أرقام قاتمة وحقائق مغيبة

بالنظر إلى البيانات الاقتصادية الخاصة بمصر بعد عام من انضمامها إلى بريكس، نجد أن المؤشرات الاقتصادية لم تشهد أي تحسن يُذكر. على سبيل المثال، تُظهر بيانات البنك المركزي أن الصادرات السلعية لمصر تراجعت من 39.6 مليار دولار في عام 2023 إلى 32.5 مليار دولار في يونيو 2024، وهو ما يعني أن الاقتصاد المصري ما زال يعاني من ركود وتراجع في القدرة التنافسية. بالمقابل، زادت الواردات السلعية إلى 72.1 مليار دولار، ما أدى إلى تفاقم العجز التجاري ليصل إلى 39.5 مليار دولار في نفس الفترة.

إذا كانت الحكومة قد روّجت لفكرة أن انضمام مصر إلى بريكس سيسهم في تحسين التبادل التجاري مع الدول الأعضاء، فإن الواقع يكشف أن هذه العلاقات التجارية كانت موجودة بالفعل قبل الانضمام، ولم تأتِ بجديد. فالصين، على سبيل المثال، كانت ولا تزال الشريك التجاري الأكبر لمصر منذ أكثر من عقد، وكان هناك اتفاقيات لتسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية منذ عام 2016، ولم يُحدث انضمام مصر إلى بريكس تغييرًا جوهريًا في هذا السياق.

الفشل في رفع جودة الصناعة المصرية

أحد الأوهام التي روج لها النظام المصري هو أن انضمام البلاد إلى بريكس سيسهم في رفع جودة الصناعة المصرية. ومع ذلك، فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل ضعف أداء القطاع الصناعي المصري واعتماده الكبير على استيراد العدد والآلات من الدول الغربية. فعلى الرغم من وجود علاقات تجارية بين مصر والهند والبرازيل وروسيا، إلا أن هذه الدول لا تستطيع تقديم البدائل اللازمة لتحسين التكنولوجيا والصناعة في مصر، وهو ما يجعل الحديث عن تحسين جودة الصناعة مجرد شعارات فارغة.

الديون الخارجية: الأزمة المستمرة

على الصعيد المالي، كان هناك أمل في أن يُسهم انضمام مصر إلى بريكس في تخفيف الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي. ومع ذلك، لم يتحقق هذا الأمل، بل استمرت مصر في الاعتماد على القروض الخارجية لسد العجز المالي المتفاقم. وحتى بعد حصول مصر على عضوية بنك البنية التحتية التابع لبريكس في عام 2021، لم تحصل البلاد سوى على جزء صغير من التمويلات الموعودة.

من الواضح أن انضمام مصر إلى بريكس لم يحقق النجاح الذي كان يتمناه النظام. فالعلاقات التجارية والاستثمارية لم تشهد تطورًا كبيرًا، كما أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ما زالت مستمرة دون حلول حقيقية. وفي ظل غياب الإصلاحات الجذرية، فإن مصر تواجه خطر التورط في مزيد من التبعية الاقتصادية للدول الكبرى في بريكس، دون أن تحقق أي تقدم ملموس على مستوى الاقتصاد الوطني.

في النهاية، يمكن القول إن انضمام مصر إلى بريكس هو خطوة أخرى في سلسلة الهروب من مواجهة الأزمات الحقيقية. الحكومة المصرية تواصل تقديم الحلول السطحية والمسكّنات المؤقتة، دون أن تواجه الأسباب الجوهرية للفشل الاقتصادي. ويبقى المواطن المصري هو الضحية الأولى لهذا الفشل المستمر، في ظل استمرار السياسات التي تثقل كاهله بمزيد من الأعباء والتحديات.