في ظل التوترات الجيوسياسية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وتراجع أداء الاقتصاد المصري، يبدو أن السياسات الاقتصادية للنظام الحالي تساهم بشكل رئيسي في تفاقم الأوضاع الاقتصادية للبلاد. فقد أصدرت المؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، تحذيرات من تدهور الاقتصاد المصري وانخفاض توقعات نموه خلال الفترة المقبلة. هذا التدهور يأتي نتيجة مباشرة لعدة عوامل رئيسية، أبرزها تراجع إيرادات قناة السويس، وارتفاع أسعار الفائدة، ووضع سقف للاستثمارات العامة، وهو ما يكشف عن فشل السياسات الاقتصادية التي تبناها النظام الحالي.
تراجع إيرادات قناة السويس: نتيجة للفشل في مواجهة المخاطر
لطالما كانت قناة السويس أحد أعمدة الاقتصاد المصري، كونها مصدرًا رئيسيًا للنقد الأجنبي وداعمًا قويًا لنمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، في ظل تصاعد التوترات في البحر الأحمر، تراجع دور القناة بشكل ملحوظ. حيث خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 3.5%، مشيرًا إلى أن إيرادات القناة قد تنخفض بنسبة تصل إلى النصف. فقد بلغ التراجع المتوقع في الإيرادات حوالي 4.8 مليار دولار مقارنة بـ8.8 مليار دولار في العام المالي الماضي.
تُعزى هذه الأزمة إلى فشل النظام في التعامل بفعالية مع المخاطر التي تفرضها الأوضاع الإقليمية، والتي أصبحت تشكل تهديدًا كبيرًا لحركة التجارة العالمية عبر القناة. وبدلًا من اتخاذ خطوات استباقية لتحسين الوضع، نجد أن النظام يعتمد على سياسات اقتصادية قصيرة النظر، غير قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه البلاد.
ارتفاع أسعار الفائدة: سياسة تقتل الاقتصاد
إلى جانب تراجع إيرادات قناة السويس، تعد مشكلة ارتفاع أسعار الفائدة أحد أكبر العوامل التي أدت إلى خفض توقعات نمو الاقتصاد المصري. فقد أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة تصل إلى 28.25%. هذا الارتفاع الكبير أدى إلى تقليل فرص الاقتراض لدى الشركات المحلية، مما عرقل خطط التوسع والنمو، وتسبب في انكماش واضح للنشاط الاقتصادي.
ورغم أن الحكومة المصرية تبرر هذه السياسة بأنها تهدف إلى السيطرة على معدل التضخم المرتفع، إلا أن الحقيقة أن ارتفاع أسعار الفائدة يضر بالاقتصاد أكثر مما يفيده، حيث يؤدي إلى تباطؤ عجلة الإنتاج والاستثمار، ويزيد من تكلفة التمويل على الشركات، مما يدفعها إلى تقليص أعمالها وتسريح العمالة.
سقف الاستثمارات العامة: تقليص الإنفاق في الوقت الخطأ
أحد أبرز الأخطاء التي يرتكبها النظام الحالي هو فرض سقف على الاستثمارات العامة، حيث تم تحديده عند تريليون جنيه فقط (ما يعادل 20.6 مليار دولار) للعام المالي الحالي. هذا السقف، الذي وُضع في محاولة لحوكمة الإنفاق العام، يأتي في وقت غير مناسب تمامًا، حيث تحتاج البلاد إلى استثمارات كبيرة لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
بدلًا من توجيه الموارد نحو القطاعات الحيوية التي يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، نجد أن الحكومة تعتمد على استراتيجيات تقشفية تقيد قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع تنموية كبرى. هذا السقف المفروض على الاستثمارات العامة يضر بالاقتصاد، ويمنع الحكومة من تحسين البنية التحتية ودعم القطاعات الرئيسية التي تعاني من نقص التمويل.
التحديات التي تواجه القطاع الخاص: ارتفاع تكلفة الأعمال
مع دعوات الحكومة لزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، يواجه هذا القطاع تحديات هائلة تحول دون تحقيق ذلك. فارتفاع أسعار الفائدة وسعر الدولار أمام الجنيه يؤديان إلى زيادة تكلفة الاقتراض والاستثمار، مما يجعل الشركات تتردد في توسيع أعمالها أو بدء مشروعات جديدة. هذا بدوره يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة البطالة.
ورغم أن الحكومة تحاول تقديم تسهيلات ضريبية واستثمارية لتشجيع القطاع الخاص على النمو، إلا أن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها بسبب السياسات المالية غير المستقرة وغياب رؤية استراتيجية شاملة لدعم الاقتصاد المحلي. وفي ظل هذا الوضع، يظل القطاع الخاص عاجزًا عن لعب دوره المطلوب في دفع عجلة النمو.
هل توجد بوادر للتحسن؟
رغم كل هذه المؤشرات السلبية، هناك بعض النقاط الإيجابية التي قد تساعد الاقتصاد المصري في المستقبل القريب. من بينها زيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج، والتي بلغت 15.5 مليار دولار خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي. هذه التحويلات تعتبر مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي الذي يساعد في دعم احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية.
كما أن النظام يعول على إتمام عدد من الصفقات الاستثمارية الضخمة، والتي يمكن أن توفر دفعة قصيرة الأجل للاقتصاد. ولكن بدون حلول جذرية لمعالجة الأسباب الحقيقية لتدهور الاقتصاد، مثل فشل السياسات الاقتصادية واستمرار اعتماد الدولة على الاقتراض لتمويل العجز، فإن هذه التحسينات ستكون مؤقتة وغير كافية لإنقاذ الاقتصاد من أزمته الحالية.
يبدو أن النظام المصري لا يزال يعتمد على سياسات قديمة أثبتت فشلها في مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية. التراجع الحاد في إيرادات قناة السويس، ارتفاع أسعار الفائدة، وتقييد الاستثمارات العامة كلها عوامل تشير إلى أن النظام عاجز عن تقديم حلول حقيقية لمشاكل الاقتصاد المصري.
ورغم المحاولات لتقديم بعض الحلول المؤقتة، مثل الاعتماد على تحويلات العاملين بالخارج أو إتمام صفقات استثمارية جديدة، فإن هذه السياسات لن تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد من أزمته العميقة. تحتاج مصر إلى استراتيجية شاملة، تركز على تحقيق نمو اقتصادي مستدام، تعتمد على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، ودعم القطاع الخاص بشكل فعلي، وخلق فرص عمل جديدة تساعد على تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.