تشهد العلاقات بين تركيا وسوريا تحركات ملحوظة نحو التطبيع بعد سنوات من التوتر والخلافات. ومع ذلك، يظل مصير هذه العملية غير واضح ويعتمد بشكل كبير على التقدم الذي يتم تحقيقه في المفاوضات بين الطرفين. هناك عدة عوامل تلعب دورًا في تحديد مستقبل هذه العلاقات، بما في ذلك التغيرات السياسية الداخلية في كلا البلدين والضغوط الإقليمية والدولية.
شروط تركيا للتطبيع
1.  الانسحاب التركي: تطالب تركيا بأن تسحب سوريا قواتها من المناطق التي تسيطر عليها تركيا أو تدعم فيها فصائل مسلحة. تعتبر تركيا هذا مطلباً أساسياً لضمان استقرار الحدود.
2.  مكافحة الإرهاب: تركيا تشدد على ضرورة تعاون دمشق في مكافحة الإرهاب، خاصة المجموعات الكردية المسلحة التي ترى أنها تهدد أمنها.
3.  إعادة الانتخابات: أنقرة تطالب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا بعد إقرار دستور جديد، لتسهيل تسوية الخلافات بين الطرفين.
شروط دمشق للتطبيع
1.  الاعتراف الكامل بالسيادة: تؤكد دمشق أنها لن تتنازل عن أي من حقوقها أو سيادتها على أراضيها. ترغب سوريا في ضمان عدم وجود تدخلات أو اعتراف بمطالب تتعلق بالسيادة.
2.  انسحاب القوات التركية: تشدد دمشق على ضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وتعتبره شرطاً أساسياً للتقدم في مسار التطبيع.
3.  وقف دعم الفصائل: تطالب دمشق بوقف تركيا لدعم الفصائل السورية المعارضة والنزاعات المسلحة.
العراقيل والتحديات
1.  التباين في الأهداف: يظهر من تصريحات الأسد أنه يميل إلى إدخال عملية التطبيع في مسار تفاوضي طويل الأمد، مبني على "ورقة مبادئ" لتنظيم المفاوضات وإزالة الأسباب الحقيقية للتوترات.
2.  الضغوط الإقليمية: تواجه عملية التطبيع ضغوطاً من قوى إقليمية مثل إيران، التي ترفض بشكل عام فكرة التطبيع بين دمشق وأنقرة.
3.  عدم وجود مرجعية متفق عليها: يشير الأسد إلى أهمية وجود مرجعية واضحة للتفاوض، لكنه لا يبدو متفهماً لمطالب تركيا أو استعدادها لتقديم تنازلات.
4.  الضغوط الدولية: التصريحات التركية حول ضرورة إجراء انتخابات وإقرار دستور جديد تشير إلى عدم توافق بين الطرفين حول كيفية معالجة القضايا الأساسية.

ومن جانبه ‘جدّد رئيس النظام السوري بشار الأسد تأكيده على عدم التقدم بشكل كبير في مسألة تطبيع العلاقات بين نظامه وتركيا، حيث أصبحت الشروط التي تمسك بها سابقًا بمثابة "حقوق لا يمكن التنازل عنها". وقد رصدت أنقرة إشارات عدم رغبة النظام في الانخراط الجدي بعملية التطبيع، مما دفعها لإعادة طرح شروطها، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا بعد إقرار دستور جديد، ومن ثم تسوية الخلافات بين البلدين مع النظام أو الحكومة المقبلة.
في كلمته أمام "مجلس الشعب" خلال افتتاح الدورة التشريعية الرابعة، شدد الأسد على أن استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب التوتر، والتي تشمل التراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، مؤكداً أن هذه ليست شروطًا بل متطلبات لنجاح العملية. وأضاف: "لن نتنازل عن أي من حقوقنا في أي ظرف، ولن نطلب من الآخرين التخلي عن حقوقهم."
الأسد أشار إلى أهمية التعامل بسرعة مع المبادرات التي طرحتها روسيا وإيران والعراق، لكنه اعتبر أن هذه المبادرات لم تحقق نتائج ملموسة. وأوضح أن مسألة الانسحاب وتوقف تركيا عن دعم الفصائل والمعارضة هي جزء من الحل، لكنه أكد أن النظام لم يغير سياساته أو يدعم الإرهاب، ويرفض المكابرة ويطالب بتحديد موقع الخطأ لمعالجة القضايا.
بدا الأسد وكأنه يسعى لإدخال عملية التطبيع في مسار تفاوضي طويل الأمد، قائم على ورقة مبادئ تنظم المفاوضات وتجنب التلاعب من أي طرف. وأكد أهمية وجود مرجعية للتفاوض، مضيفاً أن الاتفاق على هذه العناوين سيؤدي إلى إصدار بيان مشترك يشكل قاعدة للإجراءات المستقبلية.
من جانبها، أنقرة لوّحت بورقة الضغط لتطبيق القرارات الأممية، مطالبةً النظام بإقرار دستور شامل وإجراء انتخابات حرة. ورأى المحلل السياسي باسل معراوي أن الأسد يقلل من أهمية المسار ويشدد على شروطه بعد التصريحات التركية. كما أشار إلى أن إيران تمارس ضغوطاً على النظام لعدم المضي قدماً في التطبيع، وأن روسيا وحكومة السوداني لم يقدما دعمًا فعالاً في هذا المجال.
واتفق المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو مع معراوي، مبرزًا أن العراقيل تشمل الضغوط الإيرانية وتمسك الأسد بشروطه، مما قد يؤدي إلى بطء العملية وتأخيرها في المرحلة الحالية.