في شهر أغسطس/آب 2024، قوبل قطاع غزة بموجة جديدة من الضغوط القاسية من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أصدر ما لا يقل عن 13 أمر إخلاء قسري تحت مسمى "المنطقة الآمنة"، مما أدى إلى تقليص مساحتها بشكل كبير وحشر الفلسطينيين النازحين في مساحة ضيقة جداً. بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أثرت أوامر الإخلاء في هذا الشهر على حوالي 250 ألف فلسطيني، ليضافوا إلى أكثر من مليون شخص موجودين بالفعل في "المنطقة الآمنة"، التي تمتد من دير البلح إلى المواصي في خان يونس، غرباً إلى رفح جنوباً.
مع هذه الأوامر، ارتفع عدد النازحين في هذه المنطقة الضيقة إلى قرابة مليوني شخص، وهو ما يمثل حوالي 9.5% فقط من مساحة قطاع غزة، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة. وفي يوم السبت 24 أغسطس/آب 2024، أعلن الدفاع المدني في غزة أن المساحة المخصصة للمناطق الآمنة قد تقلصت من 230 كيلومتراً مربعاً إلى 35 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل نسبة 9.5% من إجمالي مساحة القطاع.
هذه التحولات تعني أن معظم سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، أصبحوا محصورين في منطقة لا تتجاوز نصف مساحة شرق القدس، والتي تبلغ نحو 70 كيلومتراً مربعاً. وقد أظهرت بيانات الأمم المتحدة أن الكثافة السكانية في منطقة المواصي قد بلغت نحو 30 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع، مقارنة بـ1200 نسمة لكل كيلومتر مربع قبل الحرب. في بداية عام 2024، كانت المناطق المتاحة للنازحين تمثل حوالي 33% من القطاع، ولكنها الآن تقلصت إلى 9.5% فقط، ما يجعلها بحجم مدينة فيلادلفيا تقريباً.
منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى أغسطس/آب 2024، شملت أوامر الإخلاء الإسرائيلية منطقة شمال غزة وقطاع غزة الجنوبي، ليصل مجموع المساحات التي شملتها الأوامر إلى 164.5 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل نحو 45% من مساحة القطاع. وتعد هذه الأوامر ضربة قاسية لأكثر من 90% من سكان غزة، الذين بلغ عددهم حوالي 2 مليون شخص، أجبروا على النزوح القسري بسبب العدوان وأوامر الإخلاء.
في الواقع، لم تتوقف معاناة النازحين في هذه المناطق عند حدود الاكتظاظ الشديد فقط، بل شملت أيضاً تفشي الأمراض نتيجة نقص البنية التحتية. كما أن الهجمات المستمرة على "المناطق الآمنة" أدت إلى خسائر فادحة. فقد استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق المواصي عدة مرات، مما أدى إلى استشهاد العديد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء.
الأوضاع الإنسانية في "المنطقة الآمنة" تتدهور بشكل متسارع، حيث تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية مثل مياه الشرب النظيفة والمرافق الصحية. وقد حذرت منظمة الأونروا من أن الوضع الحالي يؤدي إلى تفشي الأمراض بسبب نقص المياه النظيفة وتدهور المرافق الطبية.
أحمد عوض الله، أحد النازحين في المواصي، وصف الوضع بقوله: "لم يعد لدينا مكان آخر نذهب إليه، مع كل أوامر الإخلاء يضطر الكثير منا إلى النزوح مجدداً، ولكن السؤال دائماً إلى أين؟". بينما قالت فاطمة كحيل، نازحة في خان يونس، إنهم يتعرضون لممارسات الاحتلال القاسية التي تهدف إلى خنقهم، قائلة: "نزحنا من مكان إلى آخر، والموت يلاحقنا أينما ذهبنا، لقد تعبنا ولا أحد يبالي بنا".
في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة عدواناً مدمراً، يعاني النازحون من قلة الموارد الأساسية وظروف الحياة البائسة، مما يضاعف من معاناتهم اليومية. وقد أكدت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في غزة يتفاقم بشكل متسارع، مع نقص حاد في الإمدادات الأساسية والخدمات الضرورية.
هذا الوضع المأساوي يعكس أبعاد الأزمة الإنسانية في غزة، ويبرز الحاجة الماسة إلى تدخلات عاجلة لضمان حماية المدنيين وتوفير الدعم الإنساني اللازم في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.