للمصريين علاقة خاصة بالخبز، سموه “العيش”؛ ليكون مرادفًا للحياة.. فقليل منه يسد أمعائهم الفارغة، ولو معه قليل من الملح.. وإمعانا في تكريمه ومعرفة قدره يحلفون به “والعيش والملح”. وعرفت الحكومة خصوصية تلك العلاقة؛ فتحاشت الاقتراب من أسعاره، ووضعت همها كله اللعب في مكوناته، لكن الأمور تغيرت مع حكومة مصطفى مدبولي، التي رفعت السعر، وتدرس تبديل المكونات معًا.

تعاملت وزارة تموين الانقلاب مع الخبز التمويني من ناحيتين؛ لتقليل التكلفة، أولهما رفع سعر الخبز التمويني من 5 قروش إلى 20 قرشًا، بداية من أول الشهر الجاري، والثاني دراسة تغيير المكونات؛ لتقليل حجم القمح داخل الرغيف.

 عودة الخبز الخليط.. خيار حكومي
تدرس وزارة تموين الانقلاب حاليًا، إنتاج خبز خليط عبر دقيق الذرة والقمح بواقع 20 إلى 80%؛ لتوفير مليوني طن من القمح، يتم استيرادها بنحو 600 مليون دولار، واستبدالها بالذرة التي يتم زراعتها في موسم مختلف.

يبلغ دعم رغيف الخبز والسلع التموينية خلال العام المالي الحالي 2023/ 2024 نحو 127.7 مليار جنيه، ومن المزمع رفعها إلى 134.2 مليار جنيه خلال العام المالي 2024/ 2025.

كان علي المصيلحي، وزير التموين حكومة الانقلاب هو صاحب قرار إلغاء الخبز الخليط، حينما تولى وزارة التضامن الاجتماعي عام 2005، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، واعتبر ذلك الحل المثالي؛ لتحسين جودة الرغيف والاستجابة لمطالب المواطن.

 خبز الخليط.. تجربة جويلي لتقليل القمح
تعود فكرة رغيف الخبز الخليط لأحمد جويلي وزير التموين السابق، في نهاية التسعينيات بإضافة الذرة بمختلف أنواعه لدقيق الخبز التمويني بواقع 80% قمح و20% ذرة بهدف تقليل استيراد القمح من الخارج.

قبل جويلي، شهد الرغيف تغييرا في المكونات التي كانت في البداية من الذرة بشكل كامل، قبل أن يقرر الرئيس جمال عبد الناصر إلغاء الذرة؛ لسوء حالة الخبز حينها، وبعدها تم صناعته من القمح بشكل كامل.

 المصيلحي ورغيف الخبز.. رغبة في التغيير 
تسعى وزارة التموين لإحداث تغيير في رغيف الخبز بكل السبل، إذ عمدت قبل أربعة أعوام؛ لتقليل وزن رغيف الخبز من 110 جرامات؛ ليصل إلى 90 جراما أي بفارق 20 جرامًا للرغيف الواحد، ليتم زيادة عدد الأرغفة للجوال زنة 100 كيلو جرام؛ ليصل لـ 450 رغيفًا.

بعدها بعامين، أعلنت الوزارة عن تجربة لإضافة دقيق البطاطا للخبز، لتوفير نحو مليون طن قمح تقريبًا، مع زيادة نسبة استخراج الدقيق إلى 87.5% بدلا من 82%، وذلك لمواجهة تضاعف أسعار القمح العالمية ونقص الإمدادات، لكن الفكرة لم يتم تنفيذها بعد تطبيقها مبدئيًا.

تدرس الوزارة حاليًا تغيير مكوناته بالذرة، مع رفع سعر الرغيف إلى 20 قرشا، بزيادة أربعة أضعاف عن السعر الحالي.

يقول نادر نور الدين، المسئول بهيئة السلع التموينية سابقًا، إن نسبة الذرة بجميع أنواعها سواء البيضاء والصفراء والعويجة (الرفيعة)، لا يجب أن تزيد على 20%؛ لأن دقيق الذرة يجعل العجين “غير متماسك”، (يحل عرق العجين) فتسوء مواصفات الخبز.

يضيف نور الدين، أن استهلاك الرغيف المدعم يحتاج ١٠ ملايين طن قمح سنويًا، ولخلطه بنسبة ١٠ – ٢٠٪؜ من الذرة، نحتاج لمليون |إلى مليوني طن من الذرة، وأقصى ما يمكن تسلمه من المزارعين ٧٠٠ ألف طن.

خبز الذرة تطلب تغيير في نظام الإنتاج
يضيف نور الدين، الذي عاصر تجربة الخبز الخليط، إن الأمر استلزم الأمر تغيير نظام الطحن؛ نظرًا لكبر حجم حبة الذرة عن حبة القمح بنحو ثلاثة أضعاف، واستلزم الأمر وضع شواكيش على ماكينات الطحن، كلفت الدولة تكاليف إضافية؛ لتكسير حبوب الذرة، حتى تتساوى مع حبوب القمح، وبالتالي يمكن طحنها مع القمح، وكان الأمر شديد الصعوبة لطحنهما معًا.

للتغلب على تلك العقبات، اضطرت وزارة التموين إلى طحن الذرة منفصلاً عن القمح، ثم صرف أجولة ذرة، وقمح للمخابز؛ لخلطهما بالنسب المقررة أثناء العجن، لكنها واجهتها مشكلة في قشور الذرة التي لا تختفي عند طحنها، وتظهر في الرغيف المنتج.

كان أحد العقبات التي واجهت وزارة التموين في الرغيف الخليط، تلاعب المخابز التي كانت تغش، وتزيد نسبة الذرة عن المعمول بها، من أجل تهريب وبيع دقيق القمح في السوق السوداء، وبالتالي ساءت نوعية الرغيف البلدي.

يقول نور الدين، إن الرغيف الخليط يواجه مشكلة في التفتت مع الطعام الساخن، وعدم القدرة على تخزينه مجمدًا؛ لأنه يتعرض للتكسير، ما يستلزم استهلاكه يوميًا.

أضاف أن الوزارة حاليًا لا يمكنها استخدام الذرة الصفراء، التي نستورد منها ١٢ مليون طن سنويا بمعدل، يعادل القمح المستورد تماًما، ونستخدمها في انتاج الإعلاف، فضلاً عن أن أسعار الذرة الصفراء عالميًا تكاد تتساوى مع القمح، أو تفوقه أحيانًا، ولا يزيد فرق السعر بين القمح والذرة عن ٣٠ دولارا للطن؛ لاستخدامها أيضا في إنتاج الإيثانول الحيوي بكميات هائلة في كل من أمريكا، والصين وبالتالي فهي غير متاحة بوفرة في البورصات العالمية.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر منتجي ومصدريّ الذرة، وفى نفس الوقت من أكبر الدول المنتجة للإيثانول، حيث تنتج نحو ٣٥٥ مليون طن، تمثل نحو% ٣٥ من الإنتاج العالمي للذرة، كما تستخدم نحو % ٤٠,٣ من إنتاج الذرة في إنتاج الإيثانول، وذلك بحسسب أرقام كانت قد أعلنت عام 2023.

استخدام الذرة.. هل يؤثر على الأعلاف؟
تبلغ المساحات المنزرعة بالذرة خلال 2023 نحو 3 ملايين فدان، من الذرة الشامية (نيلي صيفي)، وحوالي 400 ألف فدان ذرة رفيعة، وحددت الوزارة سعر ضمان بـ 9 آلاف جنية للذرة الشامية البيضاء، و9 آلاف و500 جنيه للذرة الشامية الصفراء.

بحسب خبراء، فإن إنتاج وزراعة الذرة البيضاء في مصر بشكل أساسي؛ لاستخدامه كعلف أخضر صيفي (علف مكمور عبر طحن عيدان الذرة مع الكيزان وتخزينها بعيدا عن الهواء)، بعد انتهاء موسم البرسيم الشتوي، وبالتالي فالكمية التي تترك لإعطاء كيزان الذرة قليلة.

آراء مؤيدة لخبز الخليط
في المقابل، قال الدكتور شاكر عرفات مدير معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، إن تكلفة الرغيف الناتج عن استخدام الذرة الرفيعة مع القمح أقل بكثير من سعر رغيف الخبز المدعم حاليًا أي أقل من 1.25 جنيه.

أضاف أنه تمت تجربة إنتاج الخبز البلدي المدعم من الذرة الرفيعة، وكان رد الفعل جيدًا لبعض مرضى السكري، إذ حدث لهم استقرار نسبي في حالاتهم الصحية، كذلك تحسنت حالة مرضى الجهاز الهضمي، فحبوب الذرة تعتبر غذاء متكاملا؛ لاحتوائها على نسب منخفضة من الأحماض الأمينية، ويعتبر منتجًا مقبولاً، ويستخدم في العديد من دول العالم.

وأشار إلى، أن الولايات المتحدة تعتبر الأولى عالميا في استخدام الذرة الرفيعة في إنتاج الخبز، ويليها نيجيريا وإثيوبيا، وفي مصر توجد مطاحن قادرة على خلط القمح بالذرة، ولا توجد أي مشكلة في استخدامه وخلطه مع القمح، وهناك ميزة في فترة صلاحيته داخل وخارج الثلاجة، دون التأثير على وزنه أو حجمه أو مذاقه وجودته.

بين أن وزن رغيف الخبز المنتج من الذرة سيكون وفقًا لما حددته الدولة، ما يعنيأن كل هذه العوامل، تجعلنا نفكر بشكل جدي في إنتاج رغيف خبز خليط بين القمح والذرة الرفيعة، ونحن قادرون على إنتاج رغيف خبز ذي جودة عالية من الذرة الرفيعة والقمح.

الرغيف.. تغيير المكونات والأسعار
تنتج مصر 100 مليار رغيف خبز مدعّم سنويًا، وكان المواطن يشتري حتى أول أمس الجمعة الرغيف بخمسة قروش، لكن أسعاره ارتفعت لـ 20 قرشًا بدءا من السبت.

وقال مصطفى مدبولي، خلال جولة لافتتاح مشروعات بالإسكندرية، أخيرًا، إن الحكومة لا تحمل المواطن عبئًا كبيرًا، وتدعم العديد من الخدمات المقدمة له. ومع ذلك، يجب أن يتناسب سعر الخبز مع الزيادات الكبيرة في تكلفته.

لكن خبراء قالوا، إن خطوة رغيف الخبز “الحساسة” جاءت كأحد اشتراطات صندوق النقد الدولي الذي يجري المراجعة الثالثة لبرنامج مصر الاقتصادي في يونيو الحالي.

وقال الدكتور فريدي البياضي، عضو مجلس نواب السيسي، إن هناك ملايين من الشعب تحت خط الفقر الغذائي أي أن دخلهم لا يكفي للإنفاق على غذائهم، وهؤلاء بالكاد يتغذون على هذا الخبز المدعوم، ما يجعل الخبز أمن قومي، لا يجب المساس به، ويجب على الحكومة التفكير عدة مرات قبل الاقتراب من سعره، وكذلك قبل تحريك أسعار الخدمات الأساسية.

وتابع عضو مجلس النواب، في طلب إحاطة لمجلس النواب، أنه إذا كانت هناك تعليمات من مؤسسات دولية برفع الدعم؛ فمن غير المقبول ولا المنطقي، أن يتم ذلك قبل زيادة المساعدات وزيادة حد الحماية الاجتماعية، وتقديم دعم نقدي مناسب للأسر الأكثر احتياجًا.

وأكد البياضي، أن السياسات الاقتصادية الخاطئة، التي ما زالت الحكومة تنتهجها، أدت إلى إفقار الشعب المصري بكل طبقاته، والاستمرار في سياسات لا تبني اقتصادًا حقيقيًا، وتشي بالاستمرار في الأولويات المعكوسة، وسياسات التقشف التي تعلن عنها هي سياسات انتقائية، تمس خبز المواطن الفقير، بينما لا تقترب من المشروعات التي تستنزف موارد الدولة، والتي تمت بدون دراسات جدوى.

الأمر ذاته أكده الخبير الاقتصادي هاني توفيق، الذي قال إن لقمة العيش خط أحمر، فرفع أسعار الدواء والكهرباء والخبز والبنزين أمر خطير جداً، إن لم يسبقه التعويض بالدعم النقدي الكافي، مضيفًا أن الدعم العيني انتهى بالفعل من كل دول العالم؛ للتخلص من مافيا السوق السوداء وتهدير السلع.