يعتبر مراقبون أن العلاقة بين مصر وإسرائيل تدهورت بعد تراجع الاطمئنان الإسرائيلي للحدود المصرية إلى أدنى مستوياته أخيراً، عقب تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك إسرائيل اتفاقية السلام الموقعة مع مصر في كامب ديفيد الأميركية في عام 1979، بوجود جيش الاحتلال في المنطقة "د" المحظورة عليه وفق الاتفاقية، ما استدعى تكثيف الجيش المصري لتواجده قرب الحدود الإسرائيلية. والمنطقة "د"، وفق اتفاقية السلام بين الطرفين والملاحق المرتبطة بها، عبارة عن تقسيم المناطق بين مصر وإسرائيل إلى أربع، ثلاث منها في الأراضي المصرية، والرابعة وهي "د" في إسرائيل. وجاء في بنود الاتفاقية تفاصيل الانتشار العسكري في هذه المناطق بين الجانبين.

الإخلال باتفاقية السلام
التكثيف العسكري في هذه المنطقة، أخلّ بالاتفاقية بحسب تقارير صحافية، مما دفع إلى ضرورة التثبت من توجهات الجنود المصريين الموجودين في المنطقة، وهي أقرب نقطة للحدود مع اسرائيل، وذلك منعاً لتكرار واقعة الجندي محمد صلاح، الذي اقتحم في يونيو/حزيران 2023 الحدود وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب آخرين، قبل مقتله على يد جيش الاحتلال، في رواية شعبية اعتبرت صلاح بطلاً وشهيداً، مناقضة الرواية الرسمية التي قالت إنه تسلل بالخطأ إلى إسرائيل أثناء مطاردة مهربين.

واستمدت الرواية الشعبية التي اعتبرت صلاح بطلاً من سلسلة من الوقائع التي كان أبطالها جنودا مصريين قاموا بعمليات ضد إسرائيليين بذرائع مختلفة على مدى عقود عقب اتفاقية السلام، بدأت بواقعة سليمان خاطر (في عام 1985)، مروراً بأيمن حسن (في عام 1990)، فضلاً عن وقائع أخرى فاقمت توتر العلاقات بين الجانبين، رغم مساعي التهدئة المتبادلة المتواصلة. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت المنطقة الحدودية توتراً متزايداً تسبّب في وقوع اشتباكات اعتبرها الجانبان المصري والإسرائيلي غير مقصودة، ولا تعكر صفو السلام القائم، أو تستدعي رد فعل.

وكانت السلطات المصرية قد تصدت لتهديدات خارجية كانت تستهدف جنوب الأراضي المحتلة من إسرائيل. ففي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، أسقطت الدفاعات الجوية المصرية "جسماً طائراً" قبالة المياه الإقليمية المصرية على سواحل مدينة دهب، المطلة على خليج العقبة بالبحر الأحمر. وفي أكتوبر الماضي أُعلن عن حادثي سقوط جسم غريب في نويبع وطائرة موجهة من دون طيار في طابا، قرب الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأسفرت نتائج التحقيقات عن أن الجسم والطائرة الموجهة من دون طيار كانا متجهين من جنوب البحر الأحمر إلى الشمال، وتم استهداف أحدهما خارج المجال الجوي المصري بمنطقة خليج العقبة، مما أسفر عن سقوط بعض الحطام بمنطقة غير مأهولة بالسكان في نويبع، إضافة إلى سقوط الباقي في طابا. وفي أكتوبر الماضي أيضاً، وبعد نحو أسبوعين من بدء العدوان في غزة، أصابت دبابة إسرائيلية بطريق الخطأ موقعاً مصرياً قرب الحدود مع غزة، فيما قالت مصر إن عدداً من أفراد حرس حدودها أصيبوا بجروح طفيفة، نتاج شظايا قذيفة الدبابة.


ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979، شهدت الحدود المشتركة بينهما حوادث فردية حيث اشتبك جنود مصريون مع القوات الإسرائيلية. وأثارت تلك الوقائع جدلاً واسعاً وأثرت على العلاقات الثنائية، وكانت شرارتها الأولى في أكتوبر 1985، حينما قام الجندي المصري سليمان خاطر، الذي كان يخدم في نقطة حدودية في منطقة رأس برقة في سيناء، بإطلاق النار على مجموعة من الإسرائيليين كانوا يعبرون المنطقة، مما أدى إلى مقتل سبعة منهم. ذكر خاطر في شهادته أنه اعتبرهم تهديداً لأمن الحدود وأنهم تجاوزوا منطقة محظورة، مما دفعه لإطلاق النار. قُبض على سليمان خاطر وحُكم عليه بالسجن المؤبد، لكنه وُجد ميتاً في زنزانته في يناير/كانون الثاني 1986 في ظروف وصفتها السلطات بالانتحار، ولكن الكثيرين في مصر اعتبروا الأمر جريمة قتل، مما أثار احتجاجات واسعة النطاق وتعاطفاً شعبياً كبيراً مع خاطر.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1990، قام الجندي المصري أيمن حسن، بعملية فردية ضد الجنود الإسرائيليين. تسلل حسن عبر الحدود وأطلق النار ليقتل 21 جندياً ويصيب آخرين (اعترفت إسرائيل بأربعة قتلى و27 جريحاً). وبرر حسن ما قام به بأنه جاء رد فعل على ما اعتبره انتهاكات إسرائيلية وممارسات استفزازية ضد مصر والعرب. تم القبض على أيمن حسن وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً. تلقى حسن دعماً وتعاطفاً من قطاعات واسعة من الشعب المصري، الذين اعتبروا أفعاله تعبيراً عن مشاعر الغضب والإحباط من السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب. وفي عام 2004، قُتل ثلاثة من قوات الأمن المركزي المصري بعدما أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة عبر الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وشهد يونيو 2006 مقتل ضابطين مصريين من قوات الأمن المركزي، عبرا الحدود إلى الجانب الإسرائيلي "عن طريق الخطأ" بوصف الرواية الرسمية المصرية، خلال قيامها بأعمال الدورية. وفي وقت كانت مصر في خضم ثورتها، قُتل خمسة مجندين من حرس الحدود المصري في أغسطس/آب 2011، بغارة جوية إسرائيلية على الحدود المصرية جنوب رفح


اشتباكات مصر وإسرائيل
وساهمت أجواء الثورة والحضور الشعبي في دفع المجلس العسكري الحاكم وقتها لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة، بقيام وزارة الخارجية المصرية باستدعاء القائم بأعمال السفير الإسرائيلي "للإعراب عن الاحتجاج على إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي بشكل أدى إلى سقوط ضحايا وإراقة دماء داخل مصر"، وطلبت اعتذاراً من الجانب الإسرائيلي وكذلك إجراء تحقيق رسمي مشترك للكشف عن ملابسات الحادث. وفي فبراير/شباط 2012، أعلن الجانب الإسرائيلي مقتل أحد جنوده وثلاثة مسلحين في تبادل لإطلاق النار مع مجموعة قال إنها تسللت عبر الحدود مع مصر. ثم شهد إبريل/نيسان 2012 إطلاق صاروخ من شبه جزيرة سيناء على منتجع إيلات الإسرائيلي على ساحل البحر الأحمر من دون وقوع خسائر. وأعلنت مجموعة مسلحة مسؤوليتها عن الحادث، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للقول إن "سيناء تحولت إلى قاعدة للإرهابيين"، وهو ما اعتبر تحريضاً ضد الثورة المصرية باعتبارها "سببا للانفلات الأمني، الذي سمح بتمدد الجماعات المسلحة في سيناء".

ولم يكد الرئيس الراحل محمد مرسي يستقر في مقعده الرئاسي، حتى وقع في أغسطس 2012 حادث مقتل 16 جندياً مصرياً من قوات حرس الحدود إثر هجوم مسلحين مجهولين على مركز أمني مصري على الحدود مع إسرائيل. واللافت أن المسلحين الذين استولوا على مدرعتين هربوا بإحداهما إلى الداخل الإسرائيلي، ما اعتبر وقتها ضربة موجهة لحكم مرسي تستهدف إحراجه، يقف وراءها متعاونون مع اسرائيل. وعقب الإطاحة بمرسي، هدأت الحدود بين الطرفين لأربع سنوات كاملة، حتى جاء شهر أكتوبر 2016، فشهد اشتباكات بين مهربين وجنود من حرس الحدود المصري لجهة معبر العوجة، أسفرت عن مقتل عامل إسرائيلي من عمال تشييد الجدار الإسرائيلي الفاصل بين مصر وإسرائيل لمنع عمليات التهريب