قالت “لجنة العدالة” إن تصميم السلطات المصرية على المضي قدمًا في ملف الإعدامات الجماعية والمسيسة يوحي بأنها لم تعد تكترث بالرأي العام العالمي أو بما تطالبها به المذكرات والمناشدات الأممية بشأن عدم تنفيذ تلك الإعدامات المنبثقة عن محاكم لم يتوافر فيها شروط المحاكمات العادلة المعترف بها دوليًا، ما يؤكد أن كل الأحاديث حول استراتيجيات حقوق الإنسان ما هي إلا “بروباجندا” مصطنعة لغض الطرف دوليًا عن الانتهاكات الحقوقية الشائعة في البلاد.

ورفضت محكمة النقض المصرية، يوم الخميس الموافق 23 مايو/ أيار الجاري، الطعن المقدم من 7 متهمين، بالقضية المعروفة إعلاميًا بـ “ولاية السودان”، على الأحكام الصادرة ضدهم بالإعدام والسجن المشدد، وأيدت تلك الأحكام لتصبح بذلك نهائية وباتة لا طعن عليها.

وكانت محكمة جنايات أمن الدولة العليا (الدائرة الثالثة إرهاب)، والمنعقدة بمجمع محاكم بدر، قضت في 26 يونيو/ حزيران 2023، بإعدام 4 متهمين، وهم؛ أحمد رشاد- مالك مكتب للعقارات، محمد قاسم- سمسار عقارات، محمد سليمان– طالب، وسعد الدسوقي- فني أشعة، كما قضت المحكمة بالسجن المؤبد 25 سنة على متهم واحد وهو سيد الديب، والسجن المشدد 10 سنوات على 3 متهمين، وهم؛ أحمد عويس، محمود عليوة وأحمد المرشدي، كما قضت بالسجن المشدد 3 سنوات على عبد الله فوزي.

وشمل الحكم المطعون عليه إدراج المحكوم عليهم والكيانات التابعين لها “داعش، ولاية السودان”، على قائمتي الكيانات الإرهابية والإرهابيين المنصوص عليها بقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن الكيانات الإرهابية والإرهابيين، مع إلزام المحكوم عليهم بالمصاريف الجنائية.

جدير بالذكر أن تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا وجهت للمتهمين عدة تهم، منها؛ قيادة جماعة إرهابية أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون في المدة من عام 2019 وحتى 2022، بمحافظتي الشرقية والقاهرة، وانضموا لجماعة إرهابية تتبع لتنظيم “داعش”، وهدفهم من ذلك تغيير نظام الحكم والاعتداء على أفراد الشرطة والمنشآت العامة، فضلاً عن الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، ومنعوا السلطات العامة ومؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، فضلاً عن الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين.

ونقلاً عن أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين الطاعنين، فإنّ الطعون في قضية ولاية السودان استندت إلى ثلاثة محاور رئيسة تثبت فساد حكم الطعن، إلا أن المحكمة لم تنظر فيها وأصدرت أحكامها من أول جلسة!

وأوضح عضو هيئة الدفاع أن المحور الأول هو (القصور في التسبيب)، حيث دفع باقتصار أسباب الحكم في إدانة الطاعنين على محضر التحريات وشهادة مجريه دون أي دليل أو قرينة تساند تلك التحريات وتدعمها بما لا يصلح وحده دليلاً للإدانة، والقصور في بيان أدوار الطاعنين في الاتهامات. المحور الثاني هو (الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق)، حيث إن إدانة الطاعنين بالاتهامات جاءت مخالفة

لمحاضر ضبط الطاعنين، ودون بيان الحكم في أسبابه للاتهامات. والمحور الثالث هو (مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه).

وترى “لجنة العدالة” أن أحكام الإعدام الصادرة– والتي أقرتها محكمة النقض من أول جلسة- صدرت من محكمة استثنائية (محكمة جنايات أمن الدولة العليا- الدائرة الثالثة إرهاب)، تفتقر إلى أدنى مقومات ومعايير المحاكم العادلة المعترف بها دوليًا، كما أنها ترتكز في أحكامها على قوانين الإرهاب (الاستثنائية أيضًا) التي يشوبها العوار، ما يجعل الأحكام المنبثقة عنها تفتقد إلى الحيادية والمصداقية والمرجعية القانونية الراسخة، وما يؤكد ذلك أيضًا اعتماد المحكمة في أحكامها على محاضر التحريات التي يصيغها ضباط من جهاز الأمن الوطني، دون أي أدلة أخرى مثبتة، وهو ما رفضته محكمة النقض في العديد من الأحكام السابقة، ونقضتها لاعتمادها فقط على تلك التحريات التي ثبتت مكتبيتها.

ولهذا، ترى “لجنة العدالة” أن وقف أحكام الإعدام تلك– الحضوري منها والغيابي-؛ هو أولى الخطوات على الطريق الصحيح الذي يجب أن تنتهجه السلطات المصرية لوقف سيل الانتهاكات بحق المتهمين بقضايا الإرهاب في البلاد، وذلك لحين مراجعة ترسانة قوانين الإرهاب وتحديد مدى توافقها مع المواثيق والعهود الدولية الموقعة عليها مصر.

كما تطالب اللجنة السلطات المصرية بإعادة محاكمة المتهمين أمام قاض طبيعي، وفي محاكمة تتوافر فيها معايير المحاكمة العادلة المعترف بها دوليًا، مع الإفراج عن المتهمين لحين الفصل في الاتهامات.

كذلك تدعو اللجنة مصر للنظر في الطلبات الأممية التي دعتها لإلغاء تنفيذ عقوبة الإعدام، واستبدالها بعقوبات مخففة أخرى، داعية كذلك المجتمع الدولي والآليات الأممية لمراقبة الأوضاع في مصر، والضغط على السلطات هناك لوقف الإعدامات السياسية، ومسلسل إزهاق الأرواح المستمر بلا توقف، وضرورة توفير سبل الانتصاف لعائلات المتهمين الذين تم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم بُناءً على تلك المحاكمات.