أكد نازحون فلسطينيون، على تمسكهم بالبقاء في غزة فهي أرضهم ووطنهم، ولدوا وعاشوا فيها، وورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وليس واردًا في عقولهم مغادرتها أو الهجرة منها قسرًا ولو اضطروا للسكن في خيام فوق ركام منازلهم التي دمرها الجيش الإسرائيلي في حربه المستمرة على القطاع منذ 100 يوم.

وحب الأوطان غريزة مُتأصلة في النفوس، كما قال الشاعر:

بِلاَدٌ بِها نِطَتْ عَلَيَّا تَمائِمِي ** وأَوَّلُ أرض مَسَّ جِلدي تُرابُها

بلادي هَواها في لساني وفي دَمي ** يُمَجِّدُها قلبي ويدعو لها فَمِي

ومَن يَظْلم الأوطان أو ينسى حقَّها ** تَجِأه فنون الحادثات بأظلمِ

وما يَرْفَع الأوطان إلاَّ رِجَالها ** وهل يَتَرَقَّى الناس إلاَّ بِسُلَّمِ

ويؤكد الغولي رشيد، الباحث في علوم القرآن، مختص في العقيدة والإعجاز، أن "الاعتزاز بالانتماء إلى الوطن ليس شيئًا خارجًا عن نِطاق الاعْتِيَّاد بل إنه تعبير عن حُب صادق مُتَّصل لا ينقطع أبدًا، واعتزاز راسخ وعمل بلا كَلَل، شعور بِيَد المِنَّة للوطن ودَيْنٌ مُسْتَّحق للوفاء والولاء، مظاهر الوطنية الحقة بناء دؤوب وسَعْيٌ أكيد وارتقاء بالعِلْم وإحسان وإتقان وإخلاص في العمَل، المواطنة الحقة مراقبة لله في كل شيء، المُواطَنَة الحَقَّة انْتِماء لا الْتِوَاء".

 

تهجير 1.9 مليون فلسطيني

شاهد: الحرب على غزة تدخل يومها الـ 100 دون نهاية واضحة في الأفق | Euronews

وقسرًا، نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، من أصل حوالي 2.4 مليون، من مناطقهم السكنية؛ تحت وطأة تهديدات الجيش الإسرائيلي باستهدافها أو بسبب عملياته العسكرية المدمرة.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربًا على غزة، خلّفت حتى اليوم الاثنين "24 ألفًا و100 شهيد و60 ألفًا و834 مصابًا"، ودمارًا هائلًا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقًا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

ونزح معظم هؤلاء من مدينة غزة والمحافظة الشمالية إلى الجنوب، كما يواصل مئات الفلسطينيين نزوحهم من المحافظة الوسطى ومدينة خان يونس جنوبي القطاع، حيث توجد عمليات عسكرية إسرائيلية برية وجوية مكثفة، إلى مدينة رفح في أقصى جنوبي القطاع.

وقطاع غزة، البالغ مساحته حوالي 365 كيلومتر مربعًا، من أكثر مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية، ويعاني من أوضاع معيشية متردية للغاية؛ جراء اعتداءات متكررة وحصار إسرائيلي مستمر منذ 17 عامًا، حين فازت حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.

 

حياة صعبة للغاية

بوابة روز اليوسف | تكية خيرية في شوارع خان يونس لإطعام آلاف النازحين

الحاجة زينب حجاج نزحت من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة باتجاه مخيم النصيرات (وسط) قبل النزوح مرة أخرى إلى رفح.

وبنبرة غاضبة، قالت الحاجة زينب: "إحنا لازم نرجع على بيوتنا أو في خيمة فوق منازلنا في حال دُمرت"، وفقًا لـ"الأناضول".

وأكدت أنه "فوق أنقاض بيتنا أو على أرض البيت أفضل من البقاء هنا في رفح، هذه الحياة أصبحت صعبة للغاية.. إحنا شعب عاش عمره كاملًا في حروب وظروف صعبة، لكننا صامدون فوق أرضنا".

وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، في ديسمبر الماضي، بأن الجيش الإسرائيلي دمر أكثر من 61% من منازل القطاع سواء كليًا أو جزئيًا.

وبصوت مرتفع، قاطعها زوجها هيثم حجاج بقوله: "نرفض سياسة التهجير، على الرغم من أننا نزحنا من حي الشجاعية مجبرين إلى مخيم النصيرات وبعد ذلك إلى رفح".

وشدد حجاج، وهو بالقرب من الحدود الفلسطينية- المصرية، على أنه لا يوجد أي مكان آمن في قطاع غزة بسبب القصف والعمليات العسكرية الإسرائيلية.

واستدرك: "نحمد الله أننا حتى هذه اللحظة لا نزال على قيد الحياة، رغم صعوبة الأوضاع والنوم على التراب".

ومنددًا بممارسات الجيش الإسرائيلي، أردف أن "إسرائيل أعادتنا إلى زمن أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بالعيش في الخيم وعلى الأرض والخَبز على فرن الطينة وعيش الحياة البدائية".

واستطرد: "أجدادنا كانوا يحدثونا عن حياتهم الصعبة، نحن عشناها واقعًا في هذه الحرب، ولم يبقى إلا امتطاء الجمال، حتى إن الحصول على المياه أصبح عملية معقدة للغاية".

حجاج أعرب عن أمله في "وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والعودة إلى حياتنا الطبيعية كباقي العالم، وأن نعود إلى بيوتنا حتى، وإن كان في خيام فوق ركامها".

 

"أريد العودة إلى منزلي"

رأي الشارع في غزة بعد مرور 100 يوم على الحرب

ولا يختلف الأمر بالنسبة للنازحة "أم أحمد النجار"، وهي أيضًا من مدينة غزة وتعيش حاليًا في رفح، إذ قالت: "بعد تهجيرنا من غزة خلال العدوان، أرفض سياسة التهجير".

وخلال تواجدها في السوق لتشتري ما قد تجده أو تستطيعه، أضافت: "أريد العودة إلى منزلي في منطقة المخابرات (شمال غربي مدينة غزة)، فلا أستطيع العيش هنا".

وتابعت: "أفتقد عائلتي وأهلي وأصدقائي وجيراني هناك.. بدنا نرجع على غزة أرض العزة والشموخ، هذه الأرض التي ولدت فيها وترعرعت عليها وقضيت أجمل أيام عمري وولد فيها أولادي وأحفادي".

"أم أحمد" شددت على أن أبناء غزة سيعيدون إعمار ما دمره الجيش الإسرائيلي من مبانٍ سكنية وبنية تحتية.

وفي 12 يناير الجاري، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، إنه يشعر "بقلق عميق" بسبب تصريحات وزراء إسرائيليين بشأن "خطط لتشجيع النقل الجماعي" للفلسطينيين من غزة إلى دول ثالثة.

وأضاف غريفيث، في إفادة لمجلس الأمن الدولي: "إذ لم نتحرك، ستصبح هذه ندبة على جبين إنسانيتنا لا يمكن محوها.. أكرر دعوتي لهذا المجلس لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء هذه الحرب".

كما عبّرت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، عن رفض واشنطن (الداعمة لتل أبيب في الحرب) لتصريحات بعض الوزراء والنواب الإسرائيليين التي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين خارج غزة.