تنفذ كتائب المقاومة الفلسطينية كمائن مبنية على حرب العقول واستخدام التقنية التي مكنتها أخيرا من استهداف كتائب الشهيد عز الدين القسام، مساء أمس الأربعاء، قوة صهيونية راجلة استدرجتها لأحد الأنفاق وإيقاعهم في كمين محكم في منطقة الشيخ رضوان نهاية الشهر الماضي وأجهزت عليهم.

وقال مراقبون إنه وفقًا للمشاهد التي بثتها كتائب القسام فإنّ المعطيات تشير إلى أنّ المقاومة تمتلك يد المبادرة والتخطيط والسيطرة الميدانية لمجاهديها الذين هزموا العدوّ في حرب العقول وأذاقوه مرارة الهزيمة على الأرض.

حيث تواصل كتائب عز الدين القسام التحاماتها البطولية مع جنود الاحتلال في مختلف محاور والتوغل، وتمكنت من إيقاع قتلى بين الجنود في استهداف دبابات الاحتلال وجنوده المتحصنين في البيوت بالقذائف المناسبة، وتمكنت من السيطرة على طائرات مسيرة يستخدمها العدوّ للتجسس.

ودأبت كتائب القسام، منذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، على بث مشاهد ولقطات تظهر استهداف قوات وآليات صهيونية بقذائف مضادة للدروع والأفراد في مختلف محاور القتال بقطاع غزة، إضافة لعمليات القنص والكمائن المحكمة خلف خطوط جيش الاحتلال.
وأظهر أحدث الفيديوهات الذي أذاعته الكتائب مجريات ما يحدث فوق الأرض بتكامل العمل الميداني المقاوم في التخطيط والاتصال بين القيادة والمجاهدين وتوجيه سير المعارك على الأرض عبر الاتصالات والفيديوهات المباشرة.

وأظهر المشهد طائرة "كواد كابتر" -مسيرة تابعة لسلاح المشاة بجيش الاحتلال- تحوم فوق المنطقة التي تحتوى نفقا، ثم يظهر أحد عناصر القسام وهو يتحدث لرفاقه عبر شبكة الاتصالات الخاصة، ويقول لهم إن القوة الخاصة الصهيونية بدأت بالدخول.

وظهر أفراد جيش الاحتلال مدججين بالأسلحة ومعززين بكلاب بوليسية وكاميرا مراقبة، قبل أن يطبق مقاتلو القسام الكمين عليهم بعد استدراجهم، إذ فتحوا الرشاشات النارية باتجاههم قبل تفجير عبوة ناسفة.

الصحفي الغزاوي أدهم أبو سلمية @adham922 قال إن الفيديو هو الرابع خلال 24 ساعة، مشيرا إلى أن "كتائب القسام تُريد تحطيم المؤسسة العسكرية الصهيونية وضرب روايتها في مقتل، فبعد أن فاخروا بالسيطرة على شمال قطاع غزة، بثت القسام 4 فيديوهات لمعاركها والتحام مجاهديها مع الجيش المهزوم..".

وكشف أنه "في الفيديو المرفق كمين محكم لـ 6 ضباط وجنود في نفق بحي الشيخ رضوان حيث تم الاجهاز عليهم من مسافة الصفر، لكن أهم رسالة في الفيديو هي الضبط والسيطرة وامتلاك المقاومة لأدوات قادرة على استدراج العدو وجيشه وسحبهم للمقتلة رغم امتلاكهم كل الأدوات الذكية..".

واعتبر أن المشاهد تعكس ".. شيئاً واحداً هو حجّم السيطرة الميدانية، والإدارة الذكية للمعارك، وأن كل ما قاله العدو عن السيطرة الميدانية هو محض أكاذيب لتسويقها للجمهور الداخلي الصهيونى.".

https://twitter.com/i/status/1745122266856231271


تفخيخ نفق تل الزعتر

وسبق لكتائب القسام أن أعلنت تفخيخها النفق الذي تسبب انفجاره بمقتل نجل مسؤول إسرائيلي بارز بالإضافة إلى ابن رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، وذلك باستخدام عبوة تلفزيونية، في تل الزعتر شرق غزة في 8 ديسمبر الماضي.

وفي بيان قالت الكتائب إن مجاهدي القسام فخخوا مدخل نفق شرق تل الزعتر شمال قطاع غزة بعبوة تلفزيونية، وفور وصول جنود العدو للمكان ومحاولتهم فتح باب النفق تم تفجير العبوة، ما أدى إلى مقتل نجل رئيس أركان العدو السابق، والوزير في مجلس الحرب الصهيوني جادي إيزنكوت ومقتل وإصابة عدة جنود آخرين.

واعترف الناطق باسم جيش الاحتلال، دانيال هاجاري أن الجيش خسر الكثير من الجنود في معارك غزة، مؤكدا مقتل نجل أيزنكوت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو مجلس الحرب الحالي وقد قتل في نفق مفخخ في الشيخ زايد في جباليا".


كارثة الشجاعية".. فتحة نفق

وفي 13 ديسمبر الماضي، كشفت وسائل إعلام صهيونية، عن كمين نصبه مقاتلو كتائب القسام لجنود من لواء "جولاني" في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الضباط والجنود.

وسمح جيش الاحتلال بنشر أسماء 9 ضباط وجنود من لواء "جولاني" قتلوا في هذا الكمين، فيما أصيب 4 آخرون بجروح خطيرة.

وفي حديثها عن الكمين، وصفت صحيفة "معاريف" الصهيونية ما جرى بأنه "كارثة الشجاعية"، قائلةً إنّه "في مساء يوم أمس الثلاثاء، قام جنود جولاني بتطهير المباني المشبوهة في قصبة الشجاعية، وهي منطقة كثيفة السكان في قلب الحي".

وأضافت الصحيفة: "تم إطلاق النار على القوة وبدأ إطلاق النار بشكل دقيق من المنازل المجاورة، ووقعت لاحقاً معركة أطلقت خلالها عبوة ناسفة على الجنود المتواجدين في الشارع وقتل بعضهم".

وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، أحدثت العبوة الناسفة أيضاً فجوة بين القوات"، مشيرةً إلى أنه "تم إرسال قوة إنقاذ تابعة لجولاني إلى المكان، بما في ذلك القوة 669، بينهم قائد السرية التكتيكية".

وقالت: "تم إطلاق النار عليهم فدخلوا مبنى يبدو أنه كان مفخخاً مسبقاً، وبعد ذلك وقع انفجار كبير في المنزل، مما أدى إلى وقوع أضرار كبيرة وسقوط ضحايا في صفوف من كانوا داخل المبنى".

وأضافت الصحيفة: "وبعد ذلك مباشرة، تم إرسال قوة إنقاذ أخرى، ووقع المزيد من القتال في المنطقة بالتوازي مع عملية إنقاذ معقدة للغاية للمصابين".

بدورها، قالت هيئة البث الصهيونية إن "مجموعة من الجنود من لواء جولاني انطلقت بمهمة تفتيش المباني في قصبة الشجاعية، وهي منطقة كثيفة السكان. ومن أحد المنازل تم إطلاق النار على الجنود كما تم تفجير عبوة ناسفة".

وحول تفاصيل الاشتباك، أكدت الهيئة الإسرائيلية أنّ "أفراد المجموعة ردوا على مصادر النار، وأثناء العمل على السيطرة على المواقع، انقسم أفراد القوة العسكرية إلى قسمين. وخلال عملية الإنقاذ وصلت قوة أخرى دخلت المبنى، حيث تم تفجير العبوة الناسفة التي خلفت قتلى وسط الجنود".

وتابعت: "وفي وقت لاحق، تم تفجير عبوة ناسفة ثانية تجاه أفراد الجيش"، مشيرةً إلى أن "الجيش يقوم بالتحقق لمعرفة ما إذا كان في المكان فتحة نفق".

 

عملية 31 أكتوبر

ونشر الإعلام الصهيوني وإعلام الثورة المضادة (العربية/الحدث)، في 31 أكتوبر الماضي تقريرا أشار إلى أن مقاتلين لحماس خرجوا من أحد الأنفاق على ما يبدو ونصبوا كميناً لـ 35 جندياً صهيونيا، واشتبكوا معهم في بيت حانون، ما أدى إلى وقوع 8 قتلى وعدد من الجرحى في صفوف الصهاينة.


بينما حاول سلاح الجو إسناد المجموعة المشتبكة لتمكينها من إجلاء الجرحى لكنها لم تفلح بعد أن خرج أبطال كتائب القسام، من فتحة نفق لجنود محتشدين في بيت حانون شمال القطاع.


لماذا الأنفاق؟

حُفرت أوائل أنفاق التهريب في المنطقة على يد البدو الموجودين على كلا طرفي المعبر الذي يصل غزة بمصر، وذلك عقب عام 1981، عندما رسمت مصر وإسرائيل الحدود بينهما، ثم حدث أول هجوم عبر الأنفاق من القطاع في عام 1989، ولكن في عام 2001 بدأت حماس بإنشاء شبكة أنفاق مميزة تحت الأرض، ومن ثم أصبحت تلك الجماعة المقاتلة هي المسيطرة في المنطقة بعد انسحاب الكيان الصهيوني منها في عام 2005.

في البداية، كان هدف حماس من تلك الأنفاق يتمحور حول تهريب المواد والأسلحة من مصر، إلا أن استخدامات الأنفاق كثيرة ومتعددة، إذ يمكن للقيادات الاختباء فيها واستخدامها للتواصل من دون الاعتماد على شبكة الهواتف المعتمدة في غزة، بما أن جيش الكيان تعترضها وتتجسس عليها.

كما سمحت الأنفاق بشن غارات عابرة للحدود في الأراضي المحتلة هدفها الهجوم أو اختطاف الجنود، كما حدث عندما اختُطف العريف جلعاد شاليط في عام 2006 في مداهمة ساعدت حماس فيما بعد على تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني. ولذلك، أقام حزب الله اللبناني شبكة أنفاق مماثلة على الحدود الفاصلة بين لبنان وشمتال فلسطين المحتلة، غير أن معظمها تعرض للتدمير خلال الفترة ما بين 2018-2019.

وبحلول عام 2014، أصبح نحو 900 عامل يعملون بدوام كامل في عمليات حفر الأنفاق لصالح حماس، إذ استغرق حفر كل نفق ثلاثة أشهر وكلف وسطياً 100 ألف دولار، وذلك بحسب دراسة أجرتها مؤسسة راند البحثية.

في عام 2014، شن جيش الاحتلال عملية "الجرف الصامد" الجوية والبرية لاستهداف تلك الأنفاق، فدمر نحو 32 نفقاً يبلغ طولها جميعاً قرابة 100 كم، 14 منها تخترق الأراضي التي يحتلها جيش الاحتلال، إلا أن ذلك لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من شبكة الأنفاق، التي يعتقد أن عددها يصل إلى 1300 نفق تمتد على مسافة 500 كم بحسب ما أوردته حماس، أي أن طولها يفوق مساحة غزة طولاً بنحو عشرة أضعاف.


وبحسب صحيفة إيكونوميست، فإن معظم الأنفاق اكتشفت بفضل عملاء الاستخبارات الصهيونية في غزة، أو عبر دوريات للمشاة عثرت على مداخل الأنفاق بالصدفة، فضلاً عما اكتشفته قطعات جيش الاحتلال المتخصصة في استخبارات الإشارات والتي بحثت في أمر اختفاء إشارات هواتف الفلسطينيين فجأة.

في السابق، كان الجنود الصهاينة يتجنبون القتال في الأنفاق عموماً، نظراً لتلغيم معظمها، ولهذا حظرت القيادة العليا على الجنود دخول الأنفاق إلا في حال تفجير أحد طرفي النفق أو تأمينه، ولم تُخرق تلك القاعدة سوى مرة واحدة، في عام 2014، عندما سحلت جثة ضابط إسرائيلي داخل نفق في رفح، أي المعبر الجنوبي لغزة الذي يصلها بمصر، ولهذا كانت قاعدة الحظر منطقية، لأن الحرب تحت الأرض تمثل أصعب جوانب حرب المدن.