لم يكن الشهيد د. عبدالله عزام الذي مرت أمس الجمعة 24 نوفمبر الذكرى الرابعة والثلاثين لاستشهاده (في بيشاور حيث كان يعمل أكاديميا بالفقه والشريعة) مجاهدا فقط في أفغانستان بل كان يعتبرها محطة للوصول إلى تحرير فلسطين، وهو ما يشهد له له سلسلة من مقاطع الفيديو (أكثر المجاهدين) التي كان يحرص على إيصالها لرفاقه ولمن يسلك درب الجهاد (ذروة سنام الإسلام)، بحسب ما نشر عنه نجله د. حذيفة عزام.

وكتب نجله عبر @huthaifaabdulah، "فلسطين عقيدة.. استمع لكلام الإمام الهمام العالم الشهيد الدكتور عبدالله عزام رحمه الله تعالى".

https://twitter.com/huthaifaabdulah/status/1728051440965292193


وأكد الباحث والكاتب أنس الأفغاني @Anas_Afghani1 ذلك أيضا في ذكرى استشهاده باستحضار بعض أقواله "یجب أن یعلم أننا جئنا تلبیة لفریضة الجهاد ونصرة لأنفسنا ولإخواننا المجاهدين الأفغان.. يجب أن يكون معلوما على أن حب الأقصى إنما هو جزء من عقيدتنا وإنما هو ركن ركين من ديننا...".

https://twitter.com/Anas_Afghani1/status/1728069993475056099

تقول تقارير إنه لدى خروج السوفييت من أفغانستان قيل إنه دبت الخلافات والنزاعات بين الفصائل الجهادية الأفغانية. كان عزام - على عكس أسامة بن لادن والظواهري- يصر على عدم التدخل في تلك الصدامات والانحياز إلى طرف دون آخر.

هذا في وقت يعترف له أسامة بن لادن بالفضل ففي مقطع مصوّر يظهر فيه زعيم تنظيم القاعدة، يقول "إن عزام حرّض الأمة من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب"، موضحا "أهل الجهاد، الذين حضروا الساحة وعاشوا تلك المرحلة، يعلمون أن الجهاد الإسلامي في أفغانستان، لم يستفد من أحد كما استفاد من الشيخ عبدالله عزام".

وللراحل الكبير الفضل رحمه الله في تأسيس مكتب خدمات المجاهدين الذي كان بوابة المتطوعين للانخراط في الجهاد الأفغاني، خلال ثمانينيات القرن الماضي (وكان برعاية رسمية من عواصم عربية منها؛ القاهرة والرياض وأبوظبي).


وكان عبدالله عزام شخصية محورية وله تأثير كبير وحضور في كل التيارات، وكان استشهاده يوم جمعة، وصفت آنذاك بالجمعة الدامية ويشاء اللّه أن تصادف الذكرى الرابعة والثلاثون يوم جمعة.


https://twitter.com/i/status/1727982610352132591

ويذكر عنه الأكاديمي الأردني د. نائل بن غازي أنه "بعد ٣٤ سنة من استشهاد الدكتور الشهيد عبد الله عزام -رحمه الله- لا تزال مدرسته تحيي في الجيل معاني الثبات والرباط، حتى أثمرت جيلاً معجزة، صنع ما عجزت عنه دول، وأقام الحجة على كل قاعد.".


https://twitter.com/dr_naelgazy/status/1728098492218753283


فلسطيني من جنين

ومن صوره الشهيرة والمتكررة أن عبدالله عزام كان يعتمر كوفية فلسطينية على كتفيه وباكولًا (طاقية) أفغانيًا على رأسه، فاجتمع الرمزان في رجل واحد.

ووُلد مطلع الأربعينيات في قرية السيلة الحارثية بجنين شمالي الضفة الغربية، وسرعان ما وقعت النكبة، فتركت ندبة في وعيه حملها معه حتى آخر حياته.

وتقع السيلة في سهل مرج بن عامر على الخط الأخضر مباشرة، وعلى تلال مرتفعة، لذا كان الأهالي ينظرون من نوافذ بيوتهم إلى الأراضي التي فقدوها كل يوم.   

والتحق عزام بمعسكرات التدريب على السلاح، التي عُرفت بقواعد الشيوخ، والتي نظمها الإخوان المسلمون بالتعاون مع الفدائيين الفلسطينيين. 

وكانت هزيمة 1967 اللحظة التي اكتشف فيها نفسه، فحمل بمضي 18 شهرًا بندقية كلاشينكوف على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، مرتديًا الكاكي وفي جيبه مصحف لا يفارقه.

واحتلت فلسطين موقعًا مركزيًا في ذهن عزام ومنظوره الإستراتيجي، حيث يقول في نهاية عام 1989: "أنا فلسطيني ولو وجدت طريقًا إلى فلسطين كان أحب إلي أن أقاتل فيه"، مقرًا بأن "فلسطين أَولى من أفغانستان".

وبينما أعاد في آخر عامين من حياته استثمار نفسه في النضال الفلسطيني، ولا سيما مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، لاقت أفكاره صدى في فلسطين، ولا سيما لدى شباب التيار الإسلامي الذين انخرطوا في صفوف الانتفاضة. حتى أن الجهاز العسكري لحركة حماس وعند تأسيسه الأول حمل اسم كتائب الشهيد عبدالله عزام.

الكاتب والصحافي ياسر أبو هلالة يصف شخصية الشيخ عبدالله عزام بـ"المحورية ولها تأثير كبير وحضور في كل التيارات"، مردفًا بأن الرجل "ومع أنّه كان قياديًا في جماعة الإخوان المسلمين ونشأ فيها، إلا أنه لم يكن متعصبًا تنظيميًا وهذا ما جعل تأثيره أوسع من إطار هذه الجماعة".

ويلفت إلى أن عزام استطاع "عندما انتقل من العمل الدعوي إلى العمل الجهادي، أن يستقطب الكثير من الجهاديين، أفرادًا وجماعات".

وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967م،التحق بكتائب ما يعرف المجاهدين التي شكلها الإخوان المسلمون وكانت قواعدها في الأردن حيث اشترك في بعض العمليات العسكرية ضد اليهود على أرض فلسطين ومنها معركة المشروع أو الحزام الأخضر وقد حصلت هذه المعركة في منطقة الغور الشمالي وكانت نتائجها شديدة على اليهود كما أشرف على عمليات عسكرية في معركة الخامس من حزيران عام 1967م. 


وانتسب عبدالله عزام إلى الأزهر فحصل على شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1389 هـ 1970 م بتقدير جيد جداً، وعاد سنة 1390 هـ إلى الأردن ليعمل مدرساً في كلية الشريعة بعمان، وبعث من قبل الكلية إلى الأزهر للحصول على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه حيث حصل عليها سنة 1393 هـ.

 

محطة جدة وكمال السنانيري
وفي عام 1400 هـ صدر قرار الحاكم العسكري الأردني بفصلهِ من عملهِ في الكلية، فانتقل إلى السعودية للتدريس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة في عام 1981م، ومنها انتدب للعمل في الجامعة الإسلامية العالمية إسلام أباد بطلب منه، وفي عام 1984م أسس مكتب الخدمات في أفغانستان الذي استقطب معظم المجاهدين العرب القادمين إلى أفغانستان، ولا يزال المكتب قائماً إلى اليوم.

ولما استقر الأمر بعبدالله عزام في المملكة العربية السعودية، التي كانت في ذلك الوقت نشطة في دعم الجهاد الأفغاني، مدرسًا مؤقتًا في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. 

في الوقت نفسه وصل إلى المملكة أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين كمال السنانيري، الذي ربطته بعزام علاقة جيدة منذ أيام دراسته في القاهرة.

وكان السنانيري قد عاد لتوه من بيشاور، فتوقف في السعودية للقاء بعض الإخوان من بينهم عبدالله عزام. ورجح هذا اللقاء كفة الذهاب إلى أفغانستان عنده؛ فكتب في أوراقه عن السنانيري: "كنا على صلة وثيقة من أيام مصر، فقال لي ليست هذه الأرض بدار قرار، إحزم أمتعتك وأقبل إلى أفغانستان فبدأت أهيء نفسي للحاق به".

 

حلقة وصل

وعمل شيخ المجاهدين العرب في أفغانستان في مسيرة الجهاد كحلقة اتصال بين المجاهدين الأفغان والمؤيدين لهم في البلدان العربية، كما أشرف على عمليات واسعة لتقديم الخدمات والمساعدات المختلفة من تعليمية وصحية وغيرها للأفغان وأهليهم، وأسس مجلة رسالة الجهاد لتكون منبراً إعلامياً شهرياً لنشر أخبار الجهاد وكذلك نشرة لهيب المعركة وهي أسبوعية تتناول آخر الأحداث المستجدة على الساحة الأفغانية.


وأمام تأثير أفكار عزام على حشد المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان، أصبح عدد العرب الأفغان عشرة أضعاف السابق. 

يعتقد هيجماير الباحث النرويجي كاتب "سيرة عزام"، أن "مجموع العرب الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني لم يتجاوز 7 آلاف متطوع".

أما الكاتب والصحافي ياسر أبو هلالة فتوصل بعد بحث طويل إلى رقمين فيما يتعلق بالمجاهدين العرب في أفغانستان؛ 80 ألف هم الذين دخلوا باكستان وأفغانستان، وهو رقم حقيقي.

وينقل فيما يخص عدد المقاتلين المحترفين، عن المسؤول العسكري للقاعدة أبو حفصة المصري، أن العدد لم يزد على 2000.

وخاض رحمه الله معارك كثيرة ضد الروس كان من أشدها وأشرسها معركة جاجي في شهر رمضان عام 1408هـ الموافق عام 1987م وكان في معيته عدد من المجاهدين العرب، وتولى فيما بعد منصب أمير مكتب خدمات المجاهدين في أفغانستان.

وأسهم في تدوين وقائع الجهاد الأفغاني من خلال مقالاته الافتتاحية في مجلة الجهاد ونشرة لهيب المعركة. عمل على توحيد صفوف قادة المجاهدين والتوفيق بينهم منعاً للفرقة والاختلاف.

 

من قتله؟

خلافه مع أيمن الظواهري جعل بعض المراقبين يعتقدون بأن الظواهري أو إسرائيل أو كليهما معاً قد يكونان ضالعين في اغتياله، إلا أن نجله حذيفة وزوجته يستبعدان أن يصل الأمر بالظواهري للمشاركة في قتله على الرغم من تأكيدهم على وجود عناصر باكستانية وعربية أفغانية مشاركة في ذلك. شهد الأردني همام خليل البلوي المعروف بأبو دجانة الخراساني الذي كان عميلاً مزدوجاً أن المسؤول عن عملية الاغتيال حسب اعتراف عضو المخابرات الأردنية المسؤول عنه هو علي بورجاق.

استمر عبد الله عزام في نشاطه حتى قُتِل مع ولديه محمد وإبراهيم في باكستان وهو متجه إلى مسجد سبع الليل الذي خصصته جمعية الهلال الأحمر الكويتي للمجاهدين العرب، إذ كانت الخطب في المساجد الأفغانية بلغة الأردو. فحضر لإلقاء خطبته يوم الجمعة بتاريخ 25 ربيع الآخر عام 1410هـ الموافق 24 نوفمبر عام 1989م وانفجرت به سيارته التي لغمها له أعداؤه - الذين لم تثبت هويتهم إلى اليوم - ودفن يوم وفاته في باكستان وفتح باب العزاء له في قرية قم بالأردن حتى أن شيخ عشيرة العزام في الأردن إبراهيم ناجي باشا العزام تقبل التعازي به من الملك الحسين بن طلال حيث كان يومها القتال في أفغانستان غير مستنكر في النظام السياسي العربي.

 

من أقواله
وجمع البعض القليل من أقواله: "لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يقوم بدون حركة إسلامية تشب على نار المحنة وينضج أفرادها على حرارة الابتلاء، وهذه الحركة تمثل الصاعق الذي يفجر طاقات الأمة، ويقوم جهاد طويل تمثل فيه الحركة الإسلامية دور القيادة والريادة والإمامة والإرشاد، ومن خلال الجهاد الطويل تتميز مقادير الناس وتبرز طاقاتهم وتتحدد مقاماتهم، وتتقدم قادتهم لتوجه المسيرة وتمسك بالزمام، وهؤلاء بعد طول المعاناة يمكن الله لهم في الأرض ويجعلهم ستارا لقدره وأداة لنصرة دينه. وإن حمل السلاح قبل التربية الطويلة للعصبة المؤمنة يعتبر أمراً خطيراً لأن حملة السلاح سيتحولون إلى عصابات تهدد أمن الناس وتقض عليهم مضاجعهم".
و"إن شجرة المادية بفرعيها الغربي النفعي العلماني، والشرقي الإلحادي تتآكل اليوم وينخر بها السوس من كل طرف وجزء من كيانها".

وقال: "إذا أردت تحرير وطن ضع في مسدسك عشر رصاصات تسعة (للخونة) وواحدة للعدو فلولا (خونة الداخل) ما تجرأ عليك عدو الخارج".

 

قالوا عنه

قال عنه حيدر مصطفى: "عندما يتكلم عزام فإنه يظهر بطبيعة قوية كطبيعة الموج في المد المرتفع، فليس في داخله إلا قلب غير هياب، إن قانونه هو الثبات والاستقرار والتوازن، ويجتهد أن يحكم على نفسه ولا يعبأ بأحكام الدنيا، ويقينه أن اللذة ليست في الراحة والفراغ، وإنما في مواصلة الجهاد، وإقامة دين الله على الأرض في التعب والكدح والمشقة".
وعنه قال مهند الشرعة: "عبد الله عزام رمز الثورة الإسلامية السنيّة وعلى شباب المسلمين الاقتداء به بدل جيفارا".

وقال أحمد نبيل الشاذلي أحد أعضاء جماعة الاخوان المسلمين: "الدكتور عبد الله عزام يعد مثل اعلى للشباب المسلم".


من مؤلفاته
جزء من الإسلام السياسي عن جماعة الإخوان المسلمين
وجزء من السلفية عن السلفية الجهادية
الإسلام ومستقبل البشرية.
إلحق بالقافلة.
حكم العمل في جماعة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حماس: الجذور التأريخية والميثاق.
السرطان الأحمر.
العقيدة وأثرها في بناء الجيل.
عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر
المنارة المفقودة.
في الجهاد آداب وأحكام.
جريمة قتل النفس المؤمنة.
بشائر النصر.
كلمات على خط النار الأول.
دلالة الكتاب والسنة على الأحكام من حيث البيان. (رسالة دكتوراه نوقشت في الأزهر).
آيات الرحمن في جهاد الأفغان.