أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتقاع حصيلة المحرقة التي يشنها الجيش الصهيوني على قطاع غزة، إلى (11.180) شهيدًا، بينهم (4609) أطفال، و(3100) سيدة، منذ 7 أكتوبر الماضي.

وذكر، في بيان إعلامي مساء أمس الأحد، أن إجمالي المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال “الإسرائيلي” ارتفع إلى (1142) مجزرة، وبلغ عدد المفقودين (3250) مفقودًا، منهم 1700 طفل لازالوا تحت الأنقاض.

وبحسب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أحمد منظري، فإن الجثث الناجمة عن حروب أو كوارث طبيعية "لا تشكل خطرًا صحيًا على المجتمعات المحلية إلا فيما ندر"، ولكن رغم ذلك فإن الوضع الراهن في غزة في ظل انقطاع المياه والكهرباء وغيرها من أدوات الوقاية والدفن السليم قد يؤدي لانتشار الأوبئة والأمراض، وفق ما أوضح أطباء ومختصون لـ بي بي سي.

مدير التواصل في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، حذر من أن تراكم الجثث دون دفنها بطريقة صحيحة قد يؤدي إلى تفشي الأمراض ويسهم في كوارث صحية وبيئية.

 

ظروف صعبة تعرقل مهمة انتشال الجثث

يحدثني الطبيب محمد الحواجرة المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في مجمع الشفاء الطبي في غزة وأنا أسمع صوت القصف المستمر في محيط المستشفى، وهو واحد من عدة مستشفيات في غزة تعرضت للقصف الإسرائيلي، قائلًا "إن الطواقم الطبية تحاول ممارسة عملها رغم قلة الموارد، لكن من الصعب في كثير من الأحيان وصول الكوادر المختصة إلى المباني التي تعرضت للقصف لانتشال الجثث، وهناك عدد كبير من مركبات الإسعاف توقفت عن العمل لنقص الوقود".

ويقول الحواجرة لبي بي سي: "أصبح الناس يستخدمون مركباتهم الخاصة لإسعاف المصابين للمستشفى".

لم تهدأ أصوات الحرب، فالقصف الإسرائيلي مستمر على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي، مخلفًا أكثر من 11 ألفًا قتلوا في غزة بينهم ما يقارب 70% من الأطفال والنساء، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في القطاع.

وتقول إحصائيات الجيش الإسرائيلي إن نحو 1200 قتلوا في الجانب الإسرائيلي بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر.

وأضاف الحواجرة "نحن لدينا فريق طبي يعمل في الصفوف الأمامية مع فريق الطوارئ في مجمع الشفاء الطبي، الوضع الصحي سيء جدًا مع ارتفاع أعداد الإصابات داخل المستشفيات، أصبحنا نعمل تحت أولوية (ضمان الحياة)".

تحدثتُ مجددًا مع الحواجرة، السبت، إثر القصف المستمر على مستشفى الشفاء، وقال إنه في المستشفى حاليًا بعد نقص الطاقم الطبي للمساعدة في علاج المرضى المصابين بجروح ملتهبة، بينما لم يتمكن باقي طاقم أطباء بلا حدود من التواجد نظرًا للخطر المحيط بالمجمع.

بينما قال بن شمسي إنه "ليس هناك طاقة كافية للبحث عن الجثث تحت الأنقاض، وبسبب انقطاع الكهرباء يصبح من الصعب وضع الجثث في ثلاجات الموتى، كل ذلك يؤدي بأن لا تدفن الجثث بشكل سليم".

 

كيف يمكن أن تسبب الجثث المتراكمة أمراضًا؟

ويشرح الحواجرة، أن تراكم الجثث دون التمكن من دفنها قد يؤدي لكارثة صحية كبرى ناتجة عن تعفن الجثث وتحللها مسببة تلوثًا ونقلًا للبكتيريا والفيروسات مما يؤدي إلى انتشار أمراض مثل، الكوليرا، وأمراض قد تضر بالجهاز المناعي.

ومع كل هذا فإن انقطاع الكهرباء والمياه يسببان معاناة إضافية، إذ يقول الحواجرة "الأسبوع الماضي على سبيل المثال ليوم كامل لم أتمكن من توفير المياه لفريقي الطبي واضطروا للعمل والإسعاف دون شرب المياه".

ولفت إلى أن الحاجة للمياه أيضًا لتعقيم الأدوات ومكافحة العدوى، لكن "هناك نقص في كوادر التعقيم الطبية لاستشهاد عدد منها ونزوح آخرين وخسارة آخرين لبيوتهم، الكثير من المصابين جروحهم ملتهبة".

وتقول منظمة الصحة العالمية "لا تؤوي الجثث عادة كائنات تسبب أمراضًا، إذا اتُخذت الاحتياطات اللازمة، إلا في حال كانت الوفيات مصابة قبلها بأمراض معدية مثل إيبولا، وماربورغ، أو الكوليرا، أو حين تحدث الكارثة في منطقة تتوطن فيها هذه الأمراض المعدية".

لكن إصابة الإنسان بالكوليرا مرتبطة بعدم توفر المياه والمرافق الصحية الملائمة، كما أن شرب المياه الملوثة أو الأطعمة الملوثة يساعد على الإصابة ببكتيريا الكوليرا.

ويقول بن شمسي إن "انقطاع المياه له انعكاسات سلبية مباشرة على الصحة وسلامة الأجساد والنظافة، ويؤدي عدم وجود المياه لانتشار الأوبئة والأمراض".

بينما يوضح منظري "في جميع الأحوال، فإن وجود الجثث قرب مرافق إمدادات المياه أو داخلها قد يسبب مشاكل صحية، لأن الجثث قد تُفرز فضلات وتلوث مصادر المياه، وهو ما يؤدي إلى خطر الإسهال أو غيره من الأمراض".

ويضيف "يجب عدم ترك الجثث على احتكاك بمصادر مياه الشرب، كما يجب بعد أي احتكاك بجثث المتوفين غسل اليدين بالماء والصابون، أو تنظيفهما بمحلول كحولي إذا لم يكن هناك أي تلوث واضح".

وبحسب اختصاصية الطب الشرعي، الدكتورة إسراء الطوالبة، فإنه يبقى الحذر واجبًا عند التعامل مع الجثة الموضوعة في الثلاجة، لكن تكمن أهمية وضع الجثث في ثلاجات تحت درجات حرارة تتراوح بين (4-8) درجات مئوية، بهدف منع التحلل وانتقال البكتيريا اللاهوائية المسببة للأمراض إلى حين توفر الدفن اللائق.

 

كوليرا وملاريا وأمراض أخرى

تشرح الطوالبة أن عدم دفن الجثث وفق طرق صحيحة قد يسبب أمراضًا مختلفة، إذ ينتشر مرض الكوليرا مثلًا إذا تواجدت هذه الجثث قرب مصادر مياه، وهناك بكتيريا وفيروسات من الممكن أن تظل نشطة في جثة المتوفى لفترة معينة مثل: الكبد الوبائي والسل والإيدز.

أيضا قد تتغذى بعض الحيوانات والطيور والقوارض والحشرات على الجثث وتسبب نقل العدوى، كالبعوض الذي قد يسبب مرض الملاريا، وسبق أن نقلت بعض الجثث العدوى لأحياء عندما لا تدفن بطرق سليمة، تقول الطوالبة.

ووفق اختصاصي الصحة العامة الدكتور مهند النسور "تتعفن الجثث المتراكمة دون دفنها بالطرق الصحيحة وقد تسبب أمراضًا مختلفة وأضرارًا صحية ومخاطر بيئية، إذ أنها قد تكون حاضنة لأمراض سارية ومعدية إضافة لأمراض تنفسية وجلدية".

ورغم تصريحات منظمة الصحة العالمية التي تجد أن انتشار الأمراض عبر الناجين من أي كارثة أكثر احتمالية من انتشارها بسبب الجثامين، إلا أن الطوالبة ترى أنه إضافة للجانب الديني والروحاني بحفظ كرامة الميت، فإن تحنيط الجثث عند نقلها من بلد إلى آخر أو وضعها في الثلاجة إلى حين دفنها بالطريقة الصحيحة يهدف إلى منع التعفن ونقل الأمراض.

في الحروب ينتشر الفقر والأمراض لما في ذلك من هدم صحي متكامل، إذ يصبح الإنسان باحثًا عن الأولويات التي تبقيه على قيد الحياة ويتوقف عن أخذ المطاعيم والمراجعة الصحية الدورية له ولأطفاله، تلفت الطوالبة.

وتقول "خلال الحروب والإبادات الجماعية والكوارث الطبيعية عادة لا يجري الدفن بطرق صحيحة، لذلك عند التعامل مع الجثث وتشريحها نتبع طرق الوقاية كافة لمنع انتقال العدوى إلينا، خاصة لو كان الطبيب العامل على تشريح الجثة يعاني من جرح معين".

وتضيف الطوالبة عندما انتشر وباء كورونا ولم يكن هناك معرفة كافية بالفيروس بقي التحذير مستمرًا بأخذ الحيطة عند دفن الجثث المصابة بالمرض ودفنها بعيدًا عن مصادر المياه الجوفية لتجنب نقل العدوى.

ويقول منظري من منسظمة الصحة العالمية: "إن رؤية الجثث مؤلمة، ووجودها تحت الأنقاض دون دفن كريم أشد إيلامًا. ويجب أن تُراعى الاعتبارات الثقافية والدينية والعائلية في عمليات الدفن".