قال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفيسور بيتيري تالاس، الخميس الماضي، إنه كان من الممكن تجنب سقوط ضحايا في فيضانات ليبيا، لو كان لدى الدولة المنقسمة هيئة أرصاد جوية قادرة على إصدار التحذيرات.

وأشار في بيان إلى أن "المأساة في ليبيا تسلّط الضوء على العواقب المدمرة والمتتالية للطقس المتطرف على الدول الهشة، وتظهر الحاجة إلى إنذارات مبكرة بشأن المخاطر المتعددة تشمل جميع المستويات الرسمية وغير الرسمية".

ووصف وزير الخارجية في الحكومة التابعة لبرلمان شرقي ليبيا، عبد الهادي الحويج، أن حديث منظمات دولية أنه "كان من الممكن تفادي سقوط معظم قتلى السيول في ليبيا" بأنه كلام "مجاف للحقيقة".

وأوضح في مقابلة مع قناة "الحرة" أن ما حدث في درنة "كارثة طبيعية وإنسانية، ولا مسؤولية للسلطات فيها".

وأضاف الحويج أن "ما حصل في ليبيا يمكن أن يحصل في أي دولة بما فيها الولايات المتحدة، حيث تحصل الأعاصير والفيضانات والزلازل، وما وقع كارثة طبيعية تفوق التوقعات وكل ما يتصوره العقل على مدى تاريخ ليبيا".

وأشار إلى أن الكارثة "حصيلتها ثقيلة من الضحايا والبنية التحتية وكل المستويات"، مؤكدًا أن "الحكومة الليبية تقوم بدورها على أكمل وجه، وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. إذ تم تشكيل خلية للتعامل مع الأزمة".

وأشارت المنظمة الأممية أن المركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا أصدر إنذارات مبكرة لهذه الظاهرة الجوية قبل 72 ساعة من وقوعها، وأخطر جميع الجهات الحكومية بضرورة أخذ المزيد من الحيطة والحذر واتخاذ إجراءات وقائية، وأعلنت حالة الطوارئ في المناطق الشرقية.

واستدرك أن المركز يواجه "ثغرات كبيرة في أنظمة الرصد وتكنولوجيا المعلومات الخاصة به، والتي لا تعمل بشكل جيد، ناهيك عن نقص مزمن في الموظفين، وهو ما يجعل قدرته محدودة" على التعامل مع الكوارث.

وقال خبراء في المناخ لوكالة رويترز إن تأثير العواصف على البلدان المحيطة بالبحر المتوسط يكون متفاوتًا وأكثر تدميرًا بالنسبة للدول التي تفتقر إلى وسائل الاستعداد.

لكن حتى اليونان، التي تتمتع بموارد أفضل، واجهت ظروفًا صعبة للتعامل مع قوة العاصفة "دانيال" التي جرفت منازل وأدت لانهيار جسور وتدمير طرق وسقوط خطوط للكهرباء وتدمير المحاصيل في سهل ثيساليا الخصب.

وليبيا معرضة للخطر بشكل خاص بعد معاناتها من الفوضى والصراع على مدى يزيد على عشر سنوات ومن عدم تواجد حكومة مركزية فيها يمكنها الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.

ربع درنة لم يعد موجودا بعد الفيضان. أرشيفية

إدارة أزمة درنة

رئيس مجلس إدارة الهيئة الليبية للإغاثة، عبدالله الخفيفي، قال إن "البلاد تحتاج إلى تكاتف جميع الجهات في ليبيا والمجتمع الدولي من أجل مساعدة المنكوبين في مدينة درنة"، مشيرًا إلى أنه من الصعوبة تحديد أعداد الوفيات بدقة ولكنها بـ"الآلاف".

وقال الخفيفي في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن درنة تضم 13 شارعًا حيويًا رئيسًا، وفيها أكثر من ألف منزل ومبانٍ تضم العديد من الشقق، وهو ما يجعل من عمليات البحث والإنقاذ صعبة أمام الفرق المختلفة، أكانت المحلية أو تلك التي جاءت من دول أخرى.

ورفض تحميل أي جهة مسؤولية ما حصل في البلاد، مشيرًا إلى أنها "كارثة طبيعية، تسببت بها ظروف جوية ترافقت مع جغرافيا مدينة درنة".

ويرى الخفيفي أن "النقطة المضيئة الوحيدة في الأزمة، توحد عمل جميع مؤسسات من الجهات السياسية المختلفة، حيث اتفق الجميع على أهمية مساعدة سكان المدينة المنكوبة".

ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن حوالي 884 ألف شخص في مدن ليبية تأثروا بالعاصفة والفيضانات، مشيرًا إلى تأثر مناطق يعاني سكانها أصلًا من تحديات اقتصادية واجتماعية يقدر عددهم بنحو 300 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وفقا لآخر مراجعة أجريت في عام 2023.

ويرجح أن أكثر من 2200 مبنى قد تعرضت للفيضانات، في الوقت الذي تعاني نحو 70% من الأسر في المدينة من نقص في الخدمات وتلبية الحاجات الأساسية بما في ذلك المياه والصرف الصحي والنظافة.

وخصص المكتب 10 ملايين دولار من أجل المساعدة في الاستجابة لهذه الكارثة.

الفيضانات جرفت مناطق واسعة من درنة

بين الشرق والغرب

وبعد عام 2014، انقسمت البلاد بين إدارتين متنافستين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب. ولا تزال ليبيا منقسمة سياسيًا رغم وقف إطلاق النار منذ عام 2020، ورغم بعض الجهود المبذولة لتوحيد البلاد.

المحلل السياسي الليبي، عادل عبدالكافي يرى أن الحديث عن التقارب بين الجهات السياسية المختلفة في ليبيا ليس صحيحًا "إذ تم منع مسؤولين من دخول درنة، وإجبارهم على العودة لطرابلس".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أنه حتى الكارثة الإنسانية "ما زالت الصراعات هي التي تسيطر على مجريات الأحداث فيها".

وحمّل عبد الكافي الحكومة في الجهة الشرقية مسؤولية ما حدث، مشيرًا إلى أن "الكثير من المبالغ كانت تُنفَق ولكن لم يتم توجيهها لصيانة السدود"، مؤكدًا أن تلافي الخسائر البشرية "كان يمكن أن يحدث لو تم إخلاء المدينة منذ قدوم الإعصار من البحر المتوسط".

وقال ليزلي مابون، المحاضر في مجال النظم البيئية بكلية لندن للأبحاث التابعة للجامعة المفتوحة في بريطانيا، لوكالة رويترز إن "الوضع السياسي المعقد وتاريخ الصراع الذي طال أمده في ليبيا يشكلان تحديات أمام تطوير إستراتيجيات التواصل بشأن المخاطر وتقييم المخاطر، وتنسيق عمليات الإنقاذ، وربما كذلك فيما يتعلق بصيانة البنية التحتية الحيوية مثل السدود".

الخبير السياسي الليبي، أحمد المهدوي، أطلق على ما حصل في درنة اسم "الأحد الأسود"، في إشارة إلى يوم العاصفة التي ضربت المدينة.

وقال في رد على استفسارات موقع "الحرة" إن "السدود كانت بحاجة إلى الصيانة، ولكن كميات المياه الكبيرة التي نزلت في ذلك اليوم كانت أكبر من قدرتها على الاحتمال، إذ أنها بنيت لحماية المدينة من الأمطار الموسمية، وليس لديها سعة تخزينية كبيرة لحبس المياه".

وأكد المهدوي أن الانقسام السياسي في البلاد بنهاية المطاف له تأثيرات لا يمكن إنكارها على "عدم التنسيق والاستعداد والجاهزية" في التعامل مع الكارثة، محمّلا الجميع المسؤولية في عدم حماية المواطنين وتوعيتهم من مخاطر ما قد يحصل.

السيول جرفت منازل ومركبات

ماذا بعد دانيال؟

ظاهرة الاحتباس الحراري تعني أن المنطقة قد تضطر في المستقبل إلى الاستعداد لعواصف متزايدة القوة من هذا النوع، الذي يوازي ما يعرف بإعصار البحر المتوسط "ميديكين".

ونقلت سوزان غراي من قسم الأرصاد الجوية بجامعة ريدينغ البريطانية عن تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن "هناك أدلة ثابتة على أن تواتر ميديكين يتناقص مع في ظل الاحتباس الحراري، لكن قوته تشتد"، بحسب وكالة رويترز.

ويقول علماء إن حرارة سطح المياه في شرقي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، في مطلع سبتمبر، أعلى من المعتاد بمقدار درجتين أو ثلاث درجات مئوية، بحسب وكالة فرانس برس.

ووفق مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي، فإن ارتفاع درجات حرارة سطح البحر يؤدي إلى موجات حارة ذات مستويات قياسية في بلدان العالم، ومن المرجح أن يكون عام 2023 هو الأكثر دفئًا في التاريخ.

وسجل العلماء امتصاص المحيطات 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن النشاط البشري منذ الثورة الصناعية.

وقال خبير المناخ خريستوس زيريفوس، الأمين العام لأكاديمية أثينا، إن بيانات العواصف لم يتم جمعها بالكامل بعد، لكنه قدّر أن منسوب مياه الأمطار التي تهطل على ليبيا يبلغ مترًا، أي ما يعادل ما سقط على ثيساليا بوسط اليونان خلال يومين، بحسب رويترز.

وأضاف أن ذلك كان "حدثًا لم يسبق له مثيل" وأن كمية الأمطار التي غمرت المنطقة كانت أكبر من أي وقت مضى منذ بدء التسجيل في منتصف القرن التاسع عشر.

وقال: "نتوقع تكرار مثل هذه الظواهر كثيرًا".

الآلاف ما يزالون في عداد المفقودين في درنة. أرشيفية

مساعدات دولية

بدأت المساعدات الدولية تصل إلى ليبيا بعيد الكارثة. وحطت 4 طائرات تركية في بنغازي إضافة إلى سفينتين محملتين بالمساعدات والمواد الغذائية ومستشفيين ميدانيين.

كما وصلت طائرتان محملتان بالمساعدات من الإمارات وإيران، وفق وكالة فرانس برس.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية وصول 29 طنًا من المعدات الطبية إلى بنغازي التي تبعد نحو 300 كلم عن درنة.

كذلك أرسلت فنلندا وألمانيا ورومانيا مساعدات. ووصلت طائرات محملة بمساعدات أرسلتها مصر والأردن والكويت.

وعرضت الجزائر وفرنسا وإيطاليا وقطر وتونس والولايات المتحدة تقديم مساعدات.

 وأطلق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة نداء لجمع أموال تزيد عن 71 مليون دولار لتأمين مساعدة فورية إلى حوالي 250 ألف شخص هم الأكثر تضررًا جراء الفيضانات التي نتجت من العاصفة "دانيال"، محذرًا من وضع "كارثي".