رأى موقع "ميدل إيست آي" أنه بعد سنوات من محاولة اللعب على الجانبين، يجب على السلطة الفلسطينية الآن الاختيار بين مساندة النضال الوطني الفلسطيني أو العمل على حماية إسرائيل.
وقال في تحليل كتبه "عوني المشني": "في البداية، دعونا نضع تعريفات واضحة للمصطلحات التي نستخدمها، لأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتعلق أيضًا باللغة".
وأوضح في مستهل التحليل أن دور السلطة الفلسطينية - كما هو متوقع ومأمول من الشعب الفلسطيني - يتمثل في حماية الفلسطينيين، والمساعدة في بقاء نضالهم، والتطور من سلطة إدارية مستقلة إلى رأس دولة مستقلة تمامًا وذات سيادة قائمة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس.
هذا هو الخطاب الذي يستخدمه مؤيدو اتفاقيات أوسلو على الأقل، وعلى هذا النحو، فإن معظم الفلسطينيين يفهمون هدف السلطة الفلسطينية من هذه المصطلحات.
 لكن دورها العملي هو تحقيق الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية. ولمنع المقاومة الفلسطينية ضد الإسرائيليين وإدارة الشؤون المدنية للسكان الفلسطينيين.
وهذا واضح في التطبيق وفي كلمات اتفاقيات أوسلو. وهنا يظهر التناقض الصارخ بين وظيفتي السلطة الفلسطينية المتعارضتين تمامًا: كيف يمكن للمرء أن يسعى للتخلص من الاحتلال بينما يحاول أيضًا حمايته؟
 بالنسبة ل-"ياسر عرفات"، الرئيس الفلسطيني الأسبق الراحل، كان من الممكن حل هذا اللغز الغريب وغير المفهوم - على الأقل لبعض الوقت؛ حيث وجد صيغة لتحقيق توازن دقيق بين الوظيفتين.
وكان "عرفات" يحاول تسهيل الدور الثاني - تحقيق الأمن للاحتلال - مع دفع السعي لتحقيق الاستقلال والسيادة الفلسطينية. كان يعتقل أعضاء في حماس بينما كان ينسق أيضا مع الحركة. وشجع المقاومة ضد إسرائيل وسجن المتورطين فيها.

 

 فجوة متسعة
وأضاف "ميدل إيست آي": "في البداية، لم يفهمه لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون تمامًا. ولكن بحلول عام 2000، عندما فشلت قمة "كامب ديفيد" في البناء على اتفاقيات "أوسلو"، التي تم توقيعها قبل سبع سنوات، لم يعد "عرفات" قادرًا على الحفاظ على هذه السياسة المعقدة".
وتابع الموقع: "قد وضعه الجمود الدبلوماسي على مفترق طرق أجبره على الاختيار بين الدور الوطني للسلطة والدور العملي. في هذه اللحظة الصعبة من الحقيقة، اختار الوقوف إلى جانب النضال الوطني، مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية".
عرف "عرفات" عندما اتخذ ذلك القرار أن وقته قد انتهى، وقال في 2002 حيث حاصرت القوات الإسرائيلية مقره في رام الله في ذروة الانتفاضة الثانية: "الإسرائيليون يريدونني أسيرًا، أو هاربًا، أو ميتًا، لكني أقول لهم إنني أريد أن أكون شهيدًا".
في الواقع، بعد أن حصل "عرفات" على دعم شعبي لا مثيل له، اغتيل في عملية قتل حيث كانت بصمات الإسرائيليين في كل مكان.
واتسمت حقبة ما بعد "عرفات" بالسياسة نفسها، مع اختلاف جوهري واحد: الدور الوطني يخضع للسلطة الفلسطينية من خلال الدور العملي المتمثل في حماية إسرائيل، مما يمثل تحولًا في تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. وهكذا، اتسعت الفجوة بين السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى.
ومما زاد الطين بلة، أن السلطة الفلسطينية فشلت في تحقيق أي من الأدوار السياسية أو الوطنية أو حتى العملية التي حددتها لتحقيقها.

 

نفاد الرصيد
وذكر "ميدل إيست آي" أن معظم الفلسطينيين يدرك الظروف الصعبة التي نشأت عنها السلطة الفلسطينية، وبالتالي حدودها في اتباع استراتيجية ثورية كاملة. ولكن حتى تلك السياسة العملية المتوازنة - تلك التي تترك مجالًا لاستراتيجية وطنية قائمة على التحرر - ضاعت.
وبدأ وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش" في تنفيذ "خطته الحاسمة" تدريجيًا، مع نمو المستوطنات وتسارع التهويد واشتداد القمع المصاحب للشعب الفلسطيني.
وكرد فعل طبيعي، نما النضال الوطني الفلسطيني، الذي وضع السلطة الفلسطينية بين المطرقة والسندان، مما حد من خياراتها وقوض توازنها.
ويضغط الإسرائيليون على السلطة الفلسطينية بشدة لتلعب دورها العملي في مطاردة واستئصال المقاومة الفلسطينية. من ناحية أخرى، يضغط الجمهور الفلسطيني في الاتجاه المعاكس، ويطالب السلطة الفلسطينية باختيار واضح للانحياز إلى جانب نضالها الوطني.
وختم "ميدل إيست آي": "لم يعد البقاء في المنتصف مقبولا لا لاسرائيل ولا للفلسطينيين. بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإن المعضلة معقدة، حيث إن الميل في أي من الاتجاهين قد يؤدي إلى انهيارها. وإسرائيل لن تسمح لها بالانحياز الى مشروع التحرير الوطني. وإذا انحازت إلى الحفاظ على دورها في حماية إسرائيل، فإن السلطة الفلسطينية ستصطدم مع شعبها الذي سيسعى إلى إسقاطها".

https://www.middleeasteye.net/opinion/palestinian-authority-out-of-time-why