لا تزال العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تسير سيرها المعتاد بلا اضطراب ولا انقطاع، على الرغم من أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مازالت تضهد الفلسطينيين وتمضي في طريق زيادة المستوطنات وسفك دماء الشعب الفلسطيني واتباع ترمي إلى إجبار الفلسطينيين على التخلي عن فكرة الدولة المستقلة، وقبول الوضع القائم.

واتساقا مع التقارب الشديد بين الإمارات ودولة الاحتلال الصهيوني كانت الدعوة الحترة التي وجهتها الإمارات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوج، لحضور مؤتمر المناخ الذي سيعقد بدبي في نوفمبر المقبل.

 

ابن زايد يدعو نظيره الإسرائيلي لقمة المناخ

وبحسب ما أوردت وكالة أنباء الإمارات (وام)، اليوم السبت، بعث الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رسالة خطية إلى نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، كما بعث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، دعوة مماثلة إلى نظيره بنيامين نتنياهو.

وتتضمن الدعوة رسمية المشاركة في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي تستضيفه دولة الإمارات في مدينة إكسبو دبي، خلال شهر نوفمبر المقبل.

وفي حال حضر نتنياهو مؤتمر المناخ ستكون زيارته هي الأولى للإمارات كرئيس للوزراء، أما هرتسوج فسبق أن زار الإمارات 3 مرات منذ توليه مهام منصبه؛ في يوليو 2021، وفي يناير 2022، وفي مايو من العام نفسه.

وستعقد قمة "كوب 28" في مدينة "إكسبو دبي"، خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، بمشاركة قادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ويوم الاثنين الماضي، سلم السفير الإماراتي لدى تل أبيب محمد آل خاجة، الدعوة لكل من نتنياهو وهرتسوغ نيابة عن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والشيخ محمد بن راشد آل

 

الشعب الإماراتي يرفض التطبيع

وعكس الاحتفاء الرسمي، لا يحظى التطبيع بالحماسة نفسها في المجتمع الإماراتي، حيث تراجعت نسبة مؤيدي التطبيع في الإمارات، وفق ما أظهره آخر استطلاعات الرأي.

كشف استطلاع رأي حديث عن تراجع التأييد لعلاقات التطبيع مع إسرائيل بين سكان الإمارات خلال العامين الماضيين، فقد انخفض التأييد في الإمارات من 47 % عام 2020 إلى 25 %.

وخلال استطلاع رأي أجراه "معهد واشنطن" الأمريكي للأبحاث، في نوفمبر الماضي، وأظهر تراجعاً ملحوظاً في نسبة مؤيدي اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" في كل من السعودية والبحرين والإمارات، مقارنة بنهاية العام 2020.

وبحسب المسح الذي أجراه المعهد، فإن أكثر من ثُلثي المواطنين في الدول الثلاث أصبحوا ينظرون إلى اتفاقيات التطبيع نظرة سلبية، بعد أقل من عامين على توقيعها.

وذكر المعهد الأمريكي في تقرير له، أن استطلاع رأي أجراه في مارس 2022، كشف تراجع التأييد الشعبي للتطبيع إلى حد كبير مقارنة بـ2020، وقال إن 71% من البحرينيين، و76% من الإماراتيين، و75% من السعوديين، لا يؤيدون التعامل مع دولة الاحتلال.

أظهرت جماهير كرة القدم العربية خلال مونديال قطر معارضتها الصريحة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بانصرافهم عن التفاعل مع الإسرائيليين ورفضهم إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية.

 وارتدى المشجعون العرب وبعض الرياضيين، مثل لاعبي المنتخب المغربي، شارات مؤيدة للفلسطينيين على أذرعهم، ورفعوا الأعلام الفلسطينية طوال البطولة.

الصورة

وتدل بيانات أعداد السائحين على الأمر نفسه، فقد توافد أكثر من 150 ألف إسرائيلي على الإمارات خلال عامين ونصف العام من تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لكن 1600 إماراتي فقط زاروا إسرائيل منذ أن رفعت العام الماضي قيود السفر المرتبطة بجائحة كورونا.

 

التطبيع مسرحية هزلية

حول ذلك قال عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي والمستشار السابق للرئيس الحالي محمد بن زايد: إن "تلك المسرحية الهزلية التي رحبت بإسرائيل انتهت، وهذا متسق مع استطلاع للرأي يُظهر أن 76% من الجمهور في الإمارات انطباعاتهم تتراوح بين سلبية وسلبية جداً تجاه العلاقة مع إسرائيل".

وأضاف في تغريدة على "تويتر": "حسب علمي لم يذهب إماراتي إلى إسرائيل للسياحة هذا الصيف، ومن ذهب إليها ذهب سراً وخجلاً ومتستراً".

ويبين قحطان الخفاجي أن "التراجع الشعبي في علاقات التطبيع يعود لنقطتين أساسيتين، أولاهما القناعة الذاتية للفرد العربي المسلم بأن الكيان الصهيوني زُرع لأسباب تتقاطع مع الإسلام ومع العروبة، وأن الله- سبحانه وتعالى- أشار لنا بأن نتعاطى بالسلب مع النوايا الطبيعية لليهود والنصارى، لأن أساس عملهم هو استهداف الإسلام والعروبة".

ويضيف أن "الأحلام والنرجسية والصور البراقة التي رسمت على أن التطبيع مع الكيان الصهيوني يفتح آفاقاً اقتصادية لهذه الدول العربية قد تبددت، وتأكد للمواطن أن الحالة لا تقدم شيئاً، بل تضر إذا ما تابعنا مسارات الضر والنفع".

ويؤكد أنه "وفق المعطيات الحالية، فالعلاقات ستستمر في التطبيع من قبل الجانب الإماراتي، حيث إنه يُظهر بشكل أو بآخر، أن التطبيع ضرورة للإمارات وللفرد الإماراتي؛ (وذلك للهيمنة الصهيونية الكبرى على القرار الأممي الاقتصادي السياسي".

 

تاريخ من التطبيع

تدخل العلاقات الإماراتية الإسرائيلية عامها الثالث منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن اتفاق التطبيع في 13 أغسطس 2020، وهو أول اتفاق بين دولة خليجية وإسرائيل.

وبعد نحو شهر، شهد البيت الأبيض، في 15 سبتمبر 2020، توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، برعاية أمريكية، وتحدث الموقِّعون عن بدء مرحلة تاريخية جديدة في الشرق الأوسط..

ومرت العلاقات بين الإمارات وإسرائيل منذ التطبيع، بعديد من المحطات، حيث وقّع الجانبان على عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية وغيرها، فضلاً عن تعيين السفراء وتبادل زيارات المسؤولين.

وسابقا توج الاتفاق الدبلوماسي مع إسرائيل بالنسبة للإمارات، سنوات من الاتصالات السرية في مجالي التجارة والتكنولوجيا المهمين، وقد يساعد الدولة الخليجية على تصوير نفسها قوة استقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل والإمارات الزخم الأكبر بين الدول التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل. وحتى قبل إبرام الاتفاقيات، كانت التجارة بين إسرائيل ودول الخليج، بما فيها الإمارات، تقدَّر بنحو مليار دولار سنوياً، معظمها من خلال شركات تابعة مقرها في أوروبا ودول أخرى. غير أن التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل ناهزت وحدها المليار دولار في نهاية عام 2021 من دون أن تشمل السياحة والاستثمار.

وقال مسؤولون إماراتيون إنها قد تتجاوز تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وفي الواقع، وقّع البلدان العشرات من مذكرات التفاهم قبل توقيع التطبيع الرسمي منذ 3 سنوات.

 

التعاون التجاري والاقتصادي

وحقق التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل أرقاماً كبيرة خلال العامين الماضيين، وسط تأكيد مسؤولي الجانبين رغبتهم في ترسيخ العلاقات الاقتصادية.

وحول ذلك كشف مندوب "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان، في 26 يوليو الماضي، أن التجارة بين دولة الاحتلال والإمارات تجاوزت مليار دولار، في النصف الأول من العام الحالي.

وكان مدير معهد "السلام لاتفاقيات أبراهام"، آشر فريدمان، أكد أن التجارة بين "إسرائيل" ودول عربية، بينها الإمارات والبحرين، شهدت زيادة قياسية خلال عام واحد، في ظل الاتفاقيات الاقتصادية الكثيرة التي أبرمت منذ التطبيع بين الطرفين.

وأظهر رصد أجرته "العين الإخبارية" الإماراتية، في مايو الماضي، بعد توقيع الطرفين اتفاقية للتجارة الحرة، أن حجم التبادل التجاري السلعي مع دولة الإمارات خلال 2021، بلغ 1.154 مليار دولار أمريكي، وهو الأكبر في تاريخ أي بلد عربي، تجمعه علاقات تجارة مشتركة مع إسرائيل.

  ولا يقتصر التعاون الإماراتي الإسرائيلي على الجوانب التجارية والاقتصادية، بل يتخطى ذلك إلى مجالات أوسع، وفق تصريحات مسؤولي البلدين.

وحول ذلك يقول المحلل السياسي الإماراتي أحمد السياف: "هناك كثير من المجالات المتبادلة بين الدولتين، وتمتاز إسرائيل بالملفات المستقبلية، والإمارات تتشارك معها في الفكرة نفسها".

ويشير السياف في تصريحاته لموقع "الحرة"، في 31 مايو الماضي، إلى أن "من أبرز مجالات التعاون الأمن الغذائي، والأمن السيبراني، والعلوم التطبيقية".

 

خيانة القضية الفلسطينية

تمضي الإمارات العربية المتحدة في مسار تطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون الالتفات للتطورات الحاصلة في الساحة الفلسطينية مع وجود حكومة بنيامين نتنياهو المتشددة.

يقول مسؤولون فلسطينيون إنهم يشعرون بالخيانة من جانب إخوانهم العرب لإقامتهم علاقات مع إسرائيل من دون المطالبة أولا بإحراز تقدم باتجاه إقامة دولة فلسطينية.

وفي رام الله الواقعة بالضفة الغربية المحتلة، دعا واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدول العربية إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل.

وقال المسؤول الفلسطيني “الدول العربية التي أنشأت علاقات تطبيع مع دولة الاحتلال مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في هذه الاتفاقيات”.

وأضاف “المطلوب اليوم هو فرض طوق وعزلة شاملة على دولة الاحتلال وعلى هذه الحكومة بسياساتها الفاشية وأن يتم فضح جرائمها أمام العالم”.

لا يبدو أن هناك مؤشرا على أن اتفاقيات إبراهام في خطر، برغم كونها قد لا تحظى بشعبية كبيرة في الشارع العربي. لكن الخيارات الفلسطينية محدودة.