قبل ساعات من انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، شهدت خريطة التحالفات السياسية تغييرات كبيرة في صفوف أعضائها من حيث توجهاتهم الانتخابية، فيي حين ظل أردوغان متمسكا بمبادئه اضطر بعض الأحزاب إلى التلويح بشعارات وقضايا كانت في السابق خطا أحمر أو غير مقبولة بالنسبة لهم بدعم المرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو.
وفي هذا السياق أعلن تحالف الأجداد (أتا) القومي المتطرف، الذي أعلن مرشحه الرئاسي سنان أوغان، صاحب الترتيب الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات، دعمه للرئيس التركي أردوغان.
في المقابل، أعلن زعيم حزب الظفر أوميت أوزداغ، وهو أحد أكبر مكونات التحالف، دعم مرشح تحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو في الجولة الثانية، رغم تصريح السابق بأنه في حال فوزه ستدخل تركيا في حرب أهلية.
أردوغان الأكثر حظا
رغم أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، جاءت مخالفة لتوقعات أردوغان، الذي كان اثقا بالفوز من الجولة الأولى لكن فصله 250 ألف صوت، بعد أن تقدم بفارق خمس نقاط مئوية عن منافسه كليجدار أوغلو في الجولة الأولى. وإعلان أوغان دعمه لأردوغان يعطي الرئيس التركي أفضلية وشعورا بالثقة بفوز مريح في الجولة الثانية.
واستطاع التحالف الحاكم الفوز بأكثرية في البرلمان الجديد، مما يمنح أردوغان ميزة قوية في جولة الإعادة وهي عامل الاستقرار السياسي. من المؤكد أن ما يقل عن 51% من الأتراك لم يدعموا أردوغان في الجولة الأولى، إما لأن الجزء الأكبر منهم يُريد تغييرا سياسيا أو لأن الجزء الآخر (5.17% التي حصل عليها مرشح تحالف الأجداد) لم تدعم لا أردوغان ولا كليجدار أوغلو. لكن بعضا من هذه الأصوات قد يُفكر ألف مرة قبل الإدلاء بصوته في جولة الإعادة.
هل ينتخب كليجدار أوغلو ويُخاطر بسلطة جديدة تتصارع فيها الرئاسة والبرلمان؟ أم ينتخب أردوغان لضمان الاستقرار السياسي؟ التجارب السياسية العديدة في تركيا تُثبت أن غالبية الناخبين يفضلون الاستقرار السياسي على أي شيء آخر، لأنهم يُريدون سلطة مستقرة تُعالج أولوياتهم الملحة وعلى رأسها الاقتصاد. قد يكون كليجدار أوغلو بالنسبة لهم الأفضل على إدارة الاقتصاد، لكنه عاجز في تجاوز الحقيقة الجديدة وهي أنه سيكون عاجزا في صنع الاستقرار السياسي، لأن المعارضة خسرت في البرلمان.
وأثبت الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لا يزال أقوى مما تعتقد المعارضة. لقد واجه 3 منافسين شرسين في هذه الانتخابات: تضخم مرتفع وتداعيات زلزال مدمر ووحدة المعارضة. لكن جانبا من الحقيقة السياسية الجديدة في تركيا شكلتها المعارضة بنفسها، لأن إدارتها للتحالفات الحزبية وعملية الموازنة تسببت في الأداء الانتخابي الضعيف لها في 14 مايو.
تحالف أوغلو
وعلى الرغم من تحالف كليجدار أوغلو مع أوزداغ اليميني القومي المتشدد، فإن نسبة مؤيديه لن تكون ذات ثقل في مارثون الإعادة وأن أوغلو لن يضمن دعم الأحزاب الكردية واليسارية؛ إذ أعلن حزبا العوب الديمقراطي واليسار الأخضر استمرار دعمهما له في جولة الإعادة، ودعوا أنصارهما للتصويت بكثافة في الانتخابات.
وحقق أردوغان تقدما على كليجدار أوغلو بفارق يقرب من 5 نقاط مئوية في الجولة الأولى، ما يجعل من الصعب على الأخير عكس المد الانتخابي لصالحه في جولة الإعادة. رغم أنه أبرم صفقة للتو مع حزب "النصر" القومي المتشدد، فإن المكاسب التي يُمكن أن يحصل عليها بلغة الأرقام لن تتجاوز 2.4% كحد أقصى وهي النسبة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية. علاوة على ذلك، فإن كليجدار أوغلو بتبنيه نهجا قوميا متشددا لاستقطاب الأصوات القومية المتشددة قد يخسر في المقابل أصواتا دعمته في الجولة الأولى. الكتلة الكردية على سبيل المثال، منحته في الجولة الأولى نحو 8% من نسبة الأصوات، لكنه من غير الواضح كيف سيُحافظ على هذه الكتلة بعدما وعد حزب "النصر" بالتمسك بسياسة الوصي على البلديات التي عُزل رؤساؤها بسبب صلتهم بحزب العمال الكردستاني المحظور. قد يتسامح حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي مع هذا النفس القومي المتشدد لحاجات انتخابية، لكنه من غير المؤكد أنه سيكون قادرا على إقناع الكتلة الكردية بالتصويت بكاملها لصالح كليجدار أوغلو.
كانت إحدى المفاجآت التي أفرزتها انتخابات 14 مايو حصول مرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان على ما يزيد بقليل من 5% من الأصوات في الجولة الأولى. لم يتمكن أوغان بطبيعة الحال من العبور إلى جولة إعادة، لكن موقف الأصوات القومية المتشددة في جولة الإعادة يكتسب أهمية كبيرة. هذه الكتلة الآن منقسمة بين أردوغان وكليجدار أوغلو.
هناك نتيجة يُمكن استخلاصها من هذا التشتت وهي أن فرص كليجدار أوغلو للفوز بالرئاسة أصبحت شبه مستحيلة، لأنه بحاجة لكل أصوات هذه الكتلة من أجل تحسين فرصه. إحدى نقاط الضعف الكبيرة في إدارة كليجدار أوغلو للمنافسة الانتخابية أنه لم يستطيع الموازنة بدقة بين تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي وبين الحد من الخسائر على صعيد الأصوات القومية في جبهة التحالف السداسي. حتى لو كانت هذه الموازنة تستند إلى لغة الحسابات، فإنها تتعارض مع لغة السياسة لأن نسبة 8% من الأصوات الكردية التي حصل عليها كليجدار أوغلو لم تُمكنه من الفوز في الجولة الأولى وأيضا لأن نسبة 3% من الأصوات القومية التي خسرها حرمته من التفوق في الجولة الأولى وجعلت المهمة عليه صعبة للغاية في جولة الإعادة.
انتخابات الخارج
شارك مليون و895 ألفاً و430 ناخباً تركياً، حتى الخميس، في التصويت بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وذلك في الممثليات الخارجية والمعابر الحدودية.
وكشفت الهيئة العليا للانتخابات التركية أن عملية التصويت بالجولة الثانية من الرئاسيات، انتهت مساء 24 مايو الحالي، فيما يتواصل الاقتراع في المعابر الحدودية، وفق وكالة "الأناضول".
كما بلغ عدد من صوتوا في الممثليات الخارجية والمعابر الحدودية بحلول الساعة العاشرة الخميس (+3 بتوقيت غرينتش)، مليوناً و895 ألفاً و430، بينهم مليون و783 ألفاً و107 انتخبوا في البعثات والممثليات الخارجية.
فيما انتهت عملية تصويت الأتراك المسجلين في أماكن إقاماتهم خارج البلاد بحلول الساعة 22:00 (بالتوقيت المحلي) الأربعاء، بينما تستمر في المعابر الحدودية والمطارات حتى الساعة 17.00 من يوم 28 مايو.
ملف اللاجئين
قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أمس الجمعة 26 مايو 2023، إن أنقرة تسعى إلى إعادة اللاجئين السوريين الموجودين في الأراضي التركية إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أيضاً بشكل آمن، وليس فقط إلى "المناطق الآمنة" في الشمال السوري.
جاء ذلك في مقابلة لتشاووش أوغلو مع قناة محلية، ولفت فيها إلى عودة نحو 553 ألف سوري إلى المناطق التي سيطرت عليها تركيا والتي تقول "إنها طهرتها من الإرهابيين في شمال سوريا".
أوضح تشاووش أوغلو أن بلاده تريد عودة السوريين حتى إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة نظام بشار الأسد، لافتاً إلى تناول الموضوع مع النظام في إطار المسار الرباعي الذي يضم روسيا وإيران أيضاً.
أضاف وزير الخارجية: "اتفقنا في اجتماع وزراء الخارجية الأخير في موسكو على إعداد البنية التحتية من أجل إرسال السوريين بشكل آمن إلى الأماكن التي يسيطر عليها النظام، وقررنا تشكيل لجنة على مستوى نواب الوزراء بمشاركة المؤسسات المعنية أيضاً".
تابع تشاووش أوغلو: "بعبارة أخرى، نحن مصممون بالفعل على إعادة السوريين. ثانياً، نحن لا نفعل ذلك بخطاب عنصري، ولا ننسى أنهم بشر أيضاً"، كما لفت إلى أن "القسم الأكبر من السوريين في تركيا يرغب بالعودة إلى بلاده"، وأكد ضرورة تنفيذ هذه العملية في إطار القوانين الدولية والتركية.
كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مؤسسات الدولة والمنظمات المدنية أنشأت منازل من الطوب في شمال سوريا (لإيواء النازحين واللاجئين العائدين)، وإن العمل جارٍ لبناء منازل جديدة تستوعب نحو مليون سوري، بدعم قطري.
وكانت أحزاب من المعارضة في تركيا قد توعدت بترحيل اللاجئين السوريين من الأراضي التركية في حال وصولها للسلطة، وتعهد مرشح الرئاسة عن المعارضة، كمال كليجدار أوغلو بترحيل اللاجئين فور وصوله إلى السلطة، بعدما كان قد وضع جدولاً زمنياً لإعادتهم يصل إلى عامين.
وواجه اللاجئون السوريون خلال التحضير لجولة الانتخابات الرئاسية الثانية، تصعيداً في خطاب الكراهية والعنصرية من قبل أحزاب بالمعارضة التركية، وانتشرت لافتات في الشوارع عليها صور كليجدار أوغلو وبجانبها عبارة "سيذهب السوريون".
يُشار إلى أنه بحسب الأرقام الرسمية في تركيا يوجد نحو 3.4 مليون لاجئ سوري، كانوا قد بدأوا بالوصول إلى البلاد عقب اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011.