تطل أزمة عودة الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، وعلى الأخص الاستثمارات الخليجية، وتوفير الدولار في البلاد، من أكبر الأزمات التي يواجهها الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، بعد سلسلة متواصلة من الصدمات بدءًا من آثار جائحة كورونا، ووصولًا للحرب في أوكرانيا وتبعاتها المختلفة.

ومن الواضح أن الأصول المصرية لم تعد تمثل إغراء لدول الخليج العربي، في ظل تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية التي تقودها القاهرة؛ ما يجعل الدول العربية الثرية بالنفط تتردد في إنقاذها من أزمة كارثية، وفقًا للكاتبة سلمى حداد في "الخليج أون لاين".

وأضافت الكاتبة أنه من بين المطالبات الخليجية وجود قيادة أكثر فاعلية لإدارة الشؤون المالية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد. وحسب المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر هناك تعهدات خليجية سابقة من السعودية وقطر بضخ أكثر من 10 مليارات دولار استثمارات بمصر، التي تحتاج بقوة للنقد الأجنبي لدعم اقتصادها، والظاهر أن القاهرة لم تتلق إلا جزءًا ضئيلًا من التمويل حتى الآن، حيث يواصل الخليجيون مراقبة تحركات الجنيه المصري من كثب في أعقاب 3 تخفيضات لقيمة العملة خلال العام 2022.

 

انفراج في استثمارات قطر بشروط

ومن جهتها أكّدت قطر، اليوم الأربعاء، التزامها بتنفيذ استثمارات بمليارات الدولارات تعهدت بها لمصر التي تعاني من ضائقة مالية، ولكنها لم تحدد أي إطار زمني لضخ هذه الاستثمارات، وأشارت إلى أن أيام المساعدات قد ولّت.

وتعهدت الدولة الغنية بالغاز في مارس من العام الماضي بتقديم 5 مليارات دولار للدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، و"نحن ملتزمون بذلك" وفق تصريحات وزير المالية علي الكواري لتلفزيون بلومبيرج، اليوم الأربعاء، في منتدى قطر الاقتصادي.

وتأزمت الأوضاع المالية في مصر عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، واتفقت على صفقة بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، وتسابق الزمن لتأمين العملة الصعبة عبر بيع أصول حكومية تتراوح من البنوك إلى محطات الطاقة، فضلًا عن شبكة محطات وقود مملوكة للجيش. ويُعدّ الحلفاء الخليجيون مثل السعودية والإمارات وقطر من بين المشترين المحتملين.

أودعت قطر ثلاثة مليارات دولار لدى البنك المركزي العام الماضي لمساعدتها في معالجة الصعوبات التي تواجهها، لكن الكواري استبعد تقديم وديعة أخرى، مبينًا أن الأمر "استثماري بحت، وليس منح ودعم، التي أصبح تقديمها أمرًا صعبًا".

هذا التوجه يعكس صدى موقف السعودية، التي أشارت في وقت سابق من هذا العام إلى أنها تغير الطريقة التي تقدم بها المساعدات المالية من خلال جعل المساعدات مشروطة بتطوير الدول لاقتصاداتها.

كان الجنيه المصري، الذي فقد نحو نصف قيمته منذ أوائل العام الماضي بعد تخفيضه أكثر من مرة، بمثابة نقطة شائكة للمستثمرين الخليجيين المحتملين الذين ربما ينتظرون هبوطه أكثر قبل عقد الصفقات. ويُعتبر تبني سياسة سعر صرف مرنة حقًا، وخفض مشاركة الدولة في الاقتصاد من الشروط الأساسية لاتفاقية صندوق النقد الدولي.

 

تذبذب الأوضاع الاقتصادية

قال فيصل فلكناز الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والاستدامة لشركة الدار العقارية الإماراتية إن المجموعة ستؤجل أي استثمارات أخرى في مصر لحين استقرار الأوضاع هناك، مؤكدًا "نتخذ نهجًا حذرًا للغاية في إطلاق المشاريع".

وأضاف "لن نضخ المزيد من الأموال في الأعمال إلى أن تستقر الأمور أكثر"، مشيرًا إلى أن الشركة تبقي على نظرة متفائلة للأوضاع في مصر على المدى الطويل.

وقررت شركة تابي الإماراتية أيضًا في فبراير الماضي تعليق عملياتها في السوق المصرية، أي بعد ستة أشهر فقط من دخولها، بسبب الأزمة الاقتصادية.

 

أسباب التردد الخليجي في الاستثمار في مصر

ويبدو أن تأخير دول الخليج في قرارها بالاستثمار في مصر وفقًا لـ"فايننشيال تايمز" يرجع إلى اتخاذ الدول الخليجية موقفًا أكثر صرامة يتمثل في الإصرار على تطبيق الحكومة المصرية إجراءات بعينها تتعلق بالإصلاح الاقتصادي وكف يد الدولة عن المنافسة مع القطاع الخاص، إضافة إلى التباين الضخم في عملية تقييم سعر الشركات محل التفاوض.

أحد المصرفيين الدوليين المشاركين في عمليات التقييم، قال للصحيفة البريطانية: "موقف مصر قائم على تقييم الأصول بأسعار سوقية مرتفعة للغاية لأن الجانب المصري يجادل بأن الأسعار السوقية الحالية متدنية ولا تعكس القيمة على المدى البعيد". ويضيف المصدر أن هناك "اختلافًا شاسعًا بين الجانبين"، وفقًا لـ"عربي بوست".

أما السبب الآخر لفتور الحماس الخليجي فمرده وضع الجيش في الأنشطة الاقتصادية، إذ شككت مصادر للفايننشيال تايمز في رغبة قيادات الجيش بقيادة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في إدخال إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تحد من المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، التي توسعت أنشطتها بشدة لتشمل الزراعة وصيد الأسماك والمقاولات ومصانع الأغذية.

وقال مصرفي آخر للصحيفة إن "هناك ضيقًا شديدًا وإحباطًا في السعودية دفع البعض في الرياض إلى القول إنهم (المصريون) يظنون أنه من السهل أن يخدعونا. إنهم "السعوديون" يريدون إصلاحات حقيقية وخطة إصلاح اقتصادي ممنهجة".

ويعكس هذا الكلام ما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في يناير الماضي في دافوس، حين قال: "كنا في الماضي نقدم منحًا مجانية مباشرة بدون قيود، ونقوم الآن بتغيير هذا (السلوك). إننا نفرض ضرائب على أبناء شعبنا ونتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه".

ومؤخرًا انسحب صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي كان قد أعلن عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار أمريكي في السوق المصري، من مفاوضات صفقة الاستحواذ على بنك المصرف المتحد المملوك لحكومة الانقلاب، في أعقاب انخفاض قيمة الجنيه المصري أكثر وأكثر، ليختلف الجانبان المصري والسعودي على تقييم سعر البنك.

الخلاصة هنا هي أن أسباب فتور الحماس الخليجي نحو الاستثمار في السوق المصري عبر شراء الشركات المعروضة للبيع، بالكامل أو جزئيًا، تبدو واضحة، وأبرزها الاختلاف حول القيمة السوقية الحالية لتلك الشركات من جهة، ووجود سعرين للعملة المحلية مقابل الدولار من جهة أخرى، إضافة إلى التردد المصري في إدخال إصلاحات اقتصادية حقيقية للحفاظ على الشفافية والمنافسة العادلة.

ففي الوقت الذي تبلغ قيمة الدولار الأمريكي 30.9 جنيه، بالسعر الرسمي في البنوك، يتم تداول العملة الخضراء بسعر يقترب من 40 جنيهًا في السوق السوداء، كما يتم إبرام العقود الآجلة على أساس أن الدولار بقيمة 44.5 جنيه، بحسب وسائل الإعلام المحلية.