تشهد القدس الشرقية حالة من التوتر الشديد مع إصرار الحكومة الصهيونية على السماح لمسيرة الأعلام بالمرور من باب العامود والحي الإسلامي في البلدة القديمة، وتنظم هذه المسيرة سنويًا في ذكرى دخول إسرائيل للقدس الشرقية، وفق التقويم العبري.

وتمر المسيرة التي يحمل خلالها المشاركون العلم "الإسرائيلي" من باب العامود أحد أبواب البلدة القديمة في القدس الشرقية، وعبر البلدة نفسها وصولًا إلى حائط البراق الذي يسمى بـ"الحائط الغربي".

استنفار صهيوني

وحشدت قوات الاحتلال آلاف من جنودها لتأمين المسيرة، كما فرضت إجراءات على طول الحدود مع قطاع غزة ولبنان، ورفعت حالة التأهب، في حين تستمر الدعوات من هيئات وجهات فلسطينية لـ"الحشد والرباط في المسجد الأقصى ورفع الأعلام الفلسطينية في مدينة القدس".

وأعلنت السلطات الصهيونية أن الوجود الأمني المكثف جزء من جهد حازم لضمان مرور الحدث المثير للجدل دون عنف يوم الخميس.

فيما كشفت القناة الإخبارية الإسرائيلية "13" عن مشاركة 4 وزراء في المسيرة، وهم وزراء الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، والمواصلات ميري ريغيف، ووزير تطوير النقب إسحاق فاسرلاوف.

مسيرة الأعلام

ويفترض أن تبدأ المسيرة في الجزء الغربي من المدينة الساعة 16,00 (13,00 ت غ)، وهي واحدة من التظاهرات التي تنظمها "اسرائيل" بمناسبة "يوم القدس" لإحياء ذكرى "إعادة توحيد" المدينة بعد احتلال شطرها الشرقي بعد حرب ونيو 1967.

وتجري المسيرة هذه السنة في أجواء من التوتر بعد توترات عدة منذ مطلع العام بين إسرائيليين وفلسطينيين، أسفرت كلها عن سقوط حوالى مئتي قتيل، بينهم 35 خلال تصعيد استمرّ خمسة أيام بين الجيش الإسرائيلي وفصائل فلسطينية في قطاع غزة من 09 إلى 13 مايو.

تصدي المقاومة والمرابطين

وأطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة صواريخ على "إسرائيل" خلال مسيرة عام 2021، مما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يوما وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 250 فلسطينيا في غزة و13 شخصا في إسرائيل.

لكن لا يبدو أن هناك رغبة في التصعيد بعد انتهاء جولة من القتال بين "إسرائيل" ونشطاء فلسطينيين في قطاع غزة في بداية الأسبوع الجاري.

وحثت حركة حماس الفلسطينيين على زيادة وجودهم في المسجد الأقصى قبل اليوم الخميس ومواجهة أي تعد "إسرائيلي".

يستمر الحشد المقدسي والفلسطيني في مواجهة مسيرة الأعلام الصهيونية الاستفزازية ومن ضمن الجهود الحراك الشبابي الشعبي في القدس الذي أعلن أن اليوم الخميس هو يوم للعلم الفلسطيني للتصدي للاقتحام في ساحة الأقصى صباحاً ولمسيرة الأعلام في ساحة باب العمود من بعد الظهر، ولأن تكون كل ساحات فلسطين والخارج معهما.

وجاء في بيان الحراك «يصر الاحتلال على المضي قدماً في عدوانه على الأقصى والقدس في مسيرة الأعلام بالذكرى التي يطلق عليها «توحيد القدس»، والتي تؤرخ لاحتلاله الأسود للقدس عام 1967 بزمانه العبري، ويتوعد بأن هذه المسيرة ستبقى في مسارها العدواني كما هو، وبإمكانية اختتامها في المسجد الأقصى، وينشر الآلاف من جنده لتحقيق ذلك».

وتابع البيان: «أمام كل هذا فإن الحراك الشبابي الشعبي في القدس يعلن عن الخميس 18 أيار 2023 يوماً للعلم الفلسطيني في القدس، وندعو شباب القدس الثائر وكل مرابط فيها إلى رفع أعلام فلسطين في كل ساحة وفوق كل منزل ومدرسة وفي السيارات وبكل طريقة يمكن أن تنطق فيه بهويتها العربية الفلسطينية الأصيلة».

كما دعا البيان إلى إعلان الخميس والجمعة 18 و19-5 أياماً للعلم الفلسطيني في كل ساحة في فلسطين.

وشدد الحراك في بيانه على أن سيادة المحتل على القدس ليست إلا وهماً في خياله؛ وأن هذه المدينة لن تكون إلا القدس العربية الإسلامية، مع مطالبته بضرورة توزيع الحشد والجهد ما بين التصدي للاقتحام في المسجد الأقصى صباحاً، والتصدي لمسيرة الأعلام في ساحة باب العمود بعد الظهر، وضرورة أن تلبي كل ساحات فلسطين والخارج على أوسع نطاق نداء ساحة الأقصى وساحة باب العمود.

ودعا رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ناجح بكيرات إلى الحشد والرباط وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك هذه الأيام، لإفشال مخططات الاحتلال ومستوطنيه، بالتزامن مع مسيرة الأعلام ودعوات المستوطنين لتنفيذ اقتحام كبير.

وأكد بكيرات على ضرورة التوافد إلى المسجد الأقصى وشد الرحال إليه، «وليكن الفجر العظيم ليس فقط الجمعة، بل الخميس وكل أيام الأسبوع».

وأوضح أنه في الوقت الذي نستطيع فيه أن نملأ ساحات الأقصى ومصلياته وقبابه ومصاطبه وساحاته، لن يكون هناك أي اقتحام للمسجد الأقصى.

وأضاف أن حرب الرواية من خلال تقديم رواية توراتية وأعلام احتلالية في محاولة لفرض وجه آخر على المدينة، لن يكون عندما نقدم المدينة بأعلامها الفلسطينية ونقوشها العربية، وروايتها القرآنية، ولغتها العربية في محلاتها وشوارعها وأسواقها.

ودعا نشطاء لإحياء الفجر العظيم في الأقصى فجر اليوم الخميس (18 مايو)، والتصدي لاقتحامات المستوطنين ومسيرة الأعلام.

مسيرة فاشلة

 ويعتقد الهدمي أن المسيرة الإسرائيلية وفق الهدف المعلن لها فاشلة، لكون الاحتلال يحولها لثكنة عسكرية وجلب أعداد كبيرة من جنوده لتأمينها محاولا التعبير عن سيطرته، وتساءل: "أي سيادة تضطرك لجلب هذا الكم الهائل من الجنود؟".

وبحسب الهدمي، فإن الاحتلال اضطر في عام من الأعوام لتأجيل المسيرة لمدة أسبوع، وفي عام آخر غير مسارها، في حين اعترف في عام ثالث بفقدانه السيطرة على القدس.

وقال: إن معركة سيف القدس شكلت نوعا من حماية الظهر لمدينة القدس، وحينما تدخلت المقاومة الفلسطينية شعر أهل القدس أن ظهرهم محميّ وأنهم يستطيعون التصدي لمنظمي المسيرة وهم موقنون أن هناك من يسندهم.

تاريخ من الفشل والعربدة

منذ عام 1968 بدأت احتفالات المستوطنين الإسرائيليين بما يسمونه يوم "توحيد القدس"، وهو اليوم الذي اكتمل فيه احتلال مدينة القدس خلال عدوان يونيو 1967. بنوع من الاستفزاز والكثير من مظاهر الاستعلاء والعربدة والرقص وتنظيم عروض عسكرية.

وكانت تنظم "مسيرة الأعلام"، تنظم لإظهار سيطرة الاحتلال على المدينة المقدسة حتى عام 2000، واستمر الاستعلاء والتكبر حتى كسرته المقاومة في معركة "سيف القدس" في مايو 2021، والمسؤولون "الإسرائيليون" يحاولون اليوم إظهار السيطرة على المدينة، وفق مراقبين.

 ويقول الباحث المقدسي ناصر الهدمي: إن مسيرة الأعلام نظمها الاحتلال ليدلل على سيطرته و"سيادته" المزعومة على ما يسميها "عاصمته الموحدة"، لذلك حرص على رفع الأعلام الإسرائيلية فيها، وأن تجوب شرقي وغربي القدس، وكانت لحظة بدء تنظيمها منذ ستينيات القرن الماضي تقتصر على غربي المدينة ثم تتجه نحو باب الخليل عبورا بالبلدة القديمة وحائط البراق.

وأضاف الهدمي أن اختيار باب الخليل في حينه واكتفاء الاحتلال بذلك، من أجل تقليل الاحتكاك مع الجمهور المقدسي، وفي السنوات الأخيرة تطورت الأمور وأصبحت تتجه نحو باب العامود، وكان الاحتلال يجرب اقتحام الحي الإسلامي تجاه حائط البراق من خلال باب العامود.