لا شيء يشغل بال المصريين الآن أكثر من البحث عن الأرز وتوفيره في البيوت، بعد أن تسببت قرارات حكومة الانقلاب في اختفائه من الأسواق خاصة بعد تعويم الجنيه مؤخرًا.

ويعتبر الأرز غذاءً أساسيًا للمواطنين في مصر، إذ يعتبر السلعة الإستراتيجية الثانية بعد القمح، ويشكل الغذاء الرئيس لغالبية الشعب المصري وخاصة في الوجه البحري.

 

أين ذهب الأرز؟

وتحولت قضية اختفاء الأرز إلى الشغل الشاغل للمصريين، فإذا ذهبت في محلات السوبر ماركت لا تجده، وإذا ذهبت إلى المولات الكبرى وجدت أعدادًا محدودة، ويسمح لكل مواطن بشراء 2 أو 3 كيلو فقط، ويباع الكيلو بسعر 15 جنيهًا، ناهيك عن رداءة الأرز وسوء حالته (درجة رابعة).

وعند بعض تجار الأرز يقوم البعض بشراء الجوال 25 كيلو بسعر 500 جنيه، أي أن الكيلو يباع بـ20 جنيهًا، وذلك لو استطعت أن تجد التاجر الذي يبيعك جوال الأرز. وفي محاورة لي مع أحد سائقي التاكسي أكد أنه يذهب لشراء الأرز من الحوامدية جنوب الجيزة، ويقوم بشراء الجوال 25 كيلو بسعر 400 جنيه.

واشتكى مواطنون وتجار تجزئة في مصر، من اختفاء الأرز المحلي من الأسواق، وتداوله في الخفاء بسعر يتجاوز 35% من السعر الذي حددته وزارة التموين.

وقال تجار وخبراء؛ إن حكومة الانقلاب تتحمل مسؤولية اختفاء الأرز وتحوله إلى سلعة مضاربة باعتباره أحد أهم السلع الغذائية للمصريين، بعد أن أجبرت الفلاحين على توريد محصول الأرز بأسعار متدنية، ومن ثم امتناع الكثيرين عن بيعه لوزارة التموين.

في 31 أغسطس الماضي، أصدر رئيس الوزراء قرار تحديد سعر بيع الأرز للمستهلك بما لا يزيد عن 12 جنيهاً للكيلوجرام غير المعبأ (يباع في الواقع بسعر 20 جنيهاً) و15 جنيهاً للكيلوجرام المعبأ (يباع بسعر 22 إلى 25 جنيهاً)، على أن يعمل بهذا القرار لمدة ثلاثة أشهر، وهذا ما يخفف الحصار الجديد من حالة تعطش السوق. رداً على قراره، أوقفت مضارب تبييض الأزر الخاصة التي تبيع الأرز المعبأ طرح إنتاجها في السوق بطريقة رسمية، وخُلقت "سوق سوداء للأرز" يباع فيها بالأسعار المرتفعة بعيداً عن الرقابة الحكومية.

 

الأرز ليس الأكثر استهلاكًا للمياه

"الأرز بريء من تهمة شراهته للمياه والدولة قلصت مساحة الأرض المزروعة به رغم أنه لدينا سبل علمية لتفادي ذلك القرار"، هكذا بدأ الدكتور عاصم عبد المنعم الأستاذ المساعد والباحث في المعمل المركزي للمناخ الزراعي في مركز البحوث الزراعية، موضحاً: "قسم بحوث الأرز في مركز البحوث الزراعية استطاع استنباط أصناف من الأرز قصيرة المكث (ذات دورة زراعية قصيرة) وقليلة الاستهلاك للمياه، وكان يمكن تعميمها مع الإبقاء على المساحات المزروعة لتوفير الاحتياجات المحلية بأسعار تناسب القدرات الشرائية لعموم المصريين"، وفقًا لـ "رصيف 22".

فيما يرى عبد المنعم: "ضرورة تغيير الدولة معتقداتها بشأن أن الأرز أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه، فهناك محاصيل أخرى كـالموز والقصب أكثر استهلاكاً للمياه من الأرز".

وأشار الباحث إلى أن مصر كانت في السابق تزرع كميات تفوق احتياجاتها بغرض التصدير، ووصلت نسبة الاكتفاء الذاتي نحو 120% في بعض الأوقات، لكن مع تقليص المساحة بات الإنتاج للاستهلاك المحلي فقط بهدف توفير مياه الري وتوجيها إلى أنشطة أخرى.

وينفي عبد المنعم مسؤولية الفلاحين عن ارتفاع أسعار الأرز، متهماً أصحاب المضارب والتجار بـ"الممارسات الاحتكارية، إذ يخزنون الأرز ويطرحون القليل منه لإحداث زيادة في الأسعار ولتهريبه بطرق غير شرعية إلى دول أوروبية".

 

تسلط حكومة الانقلاب على المزارعين

وأصدرت وزارة التموين قرارًا يلزم المزارعين، للمرة الأولى، بتسليمها طن أرز عن كل فدان (حوالي 25% من إنتاج الفدان).

وقررت توقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم، وذلك بهدف جمع مليون ونصف مليون طن هذا الموسم، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز.

وشملت العقوبات التي قرتها وزارة التموين بحق الممتنعين المنع من زراعة الأرز الموسم المقبل، والحرمان من الأسمدة والمبيدات المدعمة لجميع المحاصيل لمدة عام، فضلا عن سداد عشرة آلاف جنيه مقابل الطن الذي لم يُسلم، وفقًا لـ"عربي 21".

وجاءت أسعار توريد الأرز الشعير (قبل عملية التبييض) أقل من المتوقع، حددت وزارة التموين سعر توريد الأرز عريض الحبة عند 6850 جنيها للطن، ورفيع الحبة بسعر 6600 جنيه، وهو أقل بنحو 30% عن سعر السوق المحلي.

ومع بدء موسم الحصاد، عزف الكثير من الفلاحين عن بيع محصول الأرز للحكومة رغم العقوبات المقررة، ومنع القطاع الخاص من جمع أي كميات، ما دفع شعبة الأرز بغرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية بتقديم مذكرة إلى مجلس النواب، حمّلت فيها قرارات وزارة التموين مسؤولية نقص المحصول وطالبت بتحرير سوق اﻷرز.

 

تهديد للأمن القومي

حمل مستشار وزير التموين سابقا، الدكتور عبد التواب بركات، حكومة الانقلاب مسؤولية سوء إدارة توريد محصول الأرز، وفشلها في جمع الكميات المستهدفة كما فشلت سابقا في توريد محصول القمح، قائلا: "لقد أخطأت وزارة التموين عندما قررت عرض سعر متدن على الفلاح للحصول على الأرز، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع تكلفة الإنتاج، رغم علمها بأنه سعر غير عادل".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21": "الأرز هو بديل رغيف الخبز ورديفه على موائد المصريين الفقراء والأغنياء، وكانت تكتفي مصر منه ذاتيّا لعقود وقرون طويلة، وله شهرة دولية لتميزه في الجودة والطعم، وكان رافدا للعملة الصعبة حتى تخفيض زراعته بقرار حكومي من 2 مليون فدان قبل 2013 إلى 724 ألفا فقط بعد مجيء قائد الانقلاب السيسي للحكم، بدعوى أنه شره لاستهلاك مياه الري، وهي معلومة غير صحيحة، وهو القرار الذي حوّل مصر من دولة مصدرة للأرز إلى مستوردة.

وأكد أن "نظام السيسي أهدر فرصة الاكتفاء الذاتي من الأرز، وفي شهر مايو الماضي، قال وزير التموين في بيان؛ إن الهيئة العامة للسلع التموينية، اشترت 50 ألف طن من الأرز الأبيض من الهند ومن الصين، وهي سياسة خبيثة تهدر الأمن الغذائي وتهدد الأمن القومي".